Ads 468x60px

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

الحلقة الثامنة والعشرون - الانتقام في برهوت وحشد القوى لخوض الجولة الحاسمة

الانتقام في برهوت وحشد القوى لخوض الجولة الحاسمة

وعلى حين غرّة جاء جواب الله تعالى أن يكون الانتقام من الأعداء في برهوت، وهذا التصوّر معلوم عند وليّ العصر الحّجة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الذي لا يهمّه كثيراً تأخير الانتقام الدنيوي. أمّا الأُمور الأُخرى المتأخّرة فرضاه منوط برضانا: وَما تَشَاؤونَ إلاَّ أنْ يَشَاءَ اللهُ (1).
أمّا هذا الجمع الضعيف الإدراك والقليل الصبر الذي راح يعقد المجالس ويقيم حلقات الذكر، فإنّه ـ وإن يكن له بعض الحقّ في استثارة بحر رحمتي وغيرتي ـ فإنّي لابدّ أن أجبر خاطره، لأنّه في ضيافتي.
لذلك فقد أرسلت فوجاً من الملائكة إلى حدود برهوت؛ لكي يروا العذاب الأليم الذي يحيق بالأعداء، حتّى تهدأ النفوس.
بعد تلك الأقوال، حدث بينهم جدل وقيل وقال، بسبب اختلاف مشاربهم وأذواقهم ومداركهم. قال أحدهم: « إنّنا لا نذهب إلى حدود برهوت، فنحن نعلم أنّهم يتعذّبون على وجه العموم، ومع ذلك فقد أعطانا الله الحقّ في أن نقتصّ لأنفسنا بأيدينا ».
وقال آخر: «بل يجب أن نذهب إلى حدود بَرَهوت لنتفرج ونشفي غليل قلوبنا، فإذا لم يحصل ذلك فليس لنا أن نلحّ أكثر من هذا، وإلاّ فقد ينقلب الأمر علينا، كما حصل في الدنيا بسبب ضعف الشيعة، فتأخّر الظهور».
وكان الثالث يقول: « كلاّ، علينا بعد رؤية برهوت أن نتابع مطاليبنا، وليحدث ما يحدث، فقد نفد صبرنا ».
كان القال والقيل والهرج والمرج من الشدّة بحيث كان الكلام مختلطاً وغير مفهوم، ولم يكن أحد يستمع إلى نداءاتنا بالسكوت والهدوء.
وأخيراً عاد فوج الملائكة بكلّ عظمة وجلال فأعشى نوره أبصارنا، ووقف الملائكة يتفرجون ونحن بملابسنا الرثّة وشعورنا الشعث المغبرة وهيئاتنا الذليلة، فراحوا ينظرون إلينا نظرات الاحتقار، وعلى الأخصّ إليّ أنا الذي كنت السبب في كلّ ذلك، نظرات أشبه بنظرتهم إلينا عند أوّل خلقنا، إلاّ أنّ ثورة الحاضرين هدأت بمجيء الملائكة.
في هذا الموقف، رأيت من المناسب أن أخطب في هذا المجمع الحاشد، فارتقيت منبراً كان هناك وشرعت في الكلام:

حشد القوى لخوض الجولة الحاسمة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو عالمُ الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر، ربّ العالمين، مجيب دعوة المضطرين، كاشف كرب المكروبين، راحم المساكين، أمان الخائفين، غِياث المستغيثين، واضع المستكبرين. والسلام والصلاة على أوّل الوِرْد، وظِلّ الواحد الأحد، فاتحة كتاب الموجود، بسملة نور الوجود، البيت المعمور، والكتاب المسطور، وعلى آله الغُرّ الميامين، وسلالة النبيّين، وصفوة المرسلين، وخيَرة ربّ العالمين، لا سيّما ابن عمّه وصهره ووزيره وخليفته، صاحب العجائب، ومُظهر الغرائب، ومفرّق الكتائب، والليث الغالب، عليّ بن أبي طالب.
وبعد: فقد قال عزّ مِن قائل، وجلَّ مِن متكلّم:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنْجَعلَهُمْ أئمّةً وَنجْعَلَهُم الوَارِثينَ (2).
يا إخوان الصفا، وفُرسان الهَيجا، ومُحبّي الأئمّة وهداة الأمة. إنّ أهل بيت نبيّنا وإن لم يكونوا ضعفاء، إلاّ أنّهم استُضعِفوا وفي دنيا الجهل ظُلموا على أيدي الجهّال الظلمة، فتوالَت عليهم المظالم والمحن، وتتابعت منهم صرخات الاستغاثة: هل من ناصر ينصرنا ؟! وقد وصل نداؤهم إلينا الآن، فعلينا أن نلبّي هذا النداء، وأن لا نبخل بشيء نقدر عليه.
إنّ هذه الدعوة التي وصلت إلينا لا نتطلّع فيها إلى دنيا ولا إلى آخرة، ففي الدنيا بقينا ننتظر ونأمل حتّى أخذنا أملنا في اليوم الموعود معنا إلى القبر. واليوم لا هدف لنا غير ذاك الهدف، ولا نسلك غير ذاك السلوك. إنّ قصار النظر الذين يريدون أن لا نلحّ ولا نلحف لئلاّ تنقلب الآية، يحسبون أنّ طلبنا وإلحاحنا موجّه إلى فرد مخلوق فقير الإمكانية، لا إلى ربّ كريم.
على أُولئك أن يعرفوا أنّ الصلحاء لا يُقرَنون بالطلحاء، فإنّه أرحم الراحمين، ولا يبرّهم بإلحاح الملحين.
كذلك مقولة أُولئك الذين يقولون: إنّنا يجب أن لا نذهب للتفرّج على ما يعانونه من عذاب، لأن التفرّج لا يشفي غليلاً، إنّ في مقولتهم تمرّداً على البارئ تعالى ولجاجة معه عزّ اسمه. فيجب أن نذهب وأن نكون على استعداد حربي كافٍ، حتّى إذا ما سُمح لنا بالحرب، نكون قد أعددنا العدّة لها، إذ إنّنا ننوي أن نقيم هناك ولا نكفّ عن طلب المقصود إلى أن نعود في أيدينا شاهد القصد وإن طال ذلك آلاف السنين. فمن يجد في نفسه هذا العزم الثابت والإرادة الحديدية والهمّة العالية فليتهيّأ للحركة، وإلاَّ فعليه أن يظلّ هنا، لأنّ مجيئه سيضرّنا ولا ينفعنا.
فانبرى اثنا عشر ألف بطل قائلين: إنّهم حاضرون جميعاً، ولن يعودوا حتّى بلوغ الهدف. فنزلت عن المنبر، وانفتح الباب الصغير في البوابة الكبيرة، وخرج ألف فارس مدجج بالسلاح، وأُعطي زعيمهم راية، وقيل لهم: عليكم عند كلّ مرتفع ومنخفض أن ترفعوا أصواتكم بنداء لبّيك وسعديك، وكأنّكم تسمعون نداء (هل من ناصر) الذي صدر عن الإمامين الغريبين الوحيدين، لكي تبقى الدماء في فورانها.
وطلبتُ من رئيس الملائكة أن يرسل مائة ملك لمرافقة هذا الفوج، فلم يجد بدّاً من الموافقة على ذلك.
وهكذا راحت الأفواج تترى يصاحب كلاًّ منها مائةٌ من الملائكة، حتّى اكتملنا ستّة أفواج فتحرّكنا، على أن يلحق بنا فوج سابع مع باقي الملائكة. وحملت بيدي علماً كتب عليه: ( نصرٌ مِنَ اللهِ وَفتْحٌ قَرِيبٌ ) وقد شهرنا سيوفنا بأيدينا، ونحن ننادي على كلّ مرتفع ومنخفض بأعلى أصواتنا: لبيك! فتختلط بصهيل الخيل ووقع أرجل الفرسان، فكانت جنبات الوادي وسفوح الجبال تهتزّ من ذلك.

الحلقة السابعة والعشرون - تعالوا لنضرع إلى الله المفرّج

____________________
1ـ الانسان / 30، والتكوير / 29.
2ـ القصص / 5.