نقل ((إيماني)) فقال: في اليوم الأول لدخول ((البيد آبادي)) إلى بيتنا أوصى والدي فقال: ليكن أكلي مما تحضره أنت فقط، ولا تقبل ما يحضره الآخرون.
وفي أحد الأيام أحضر أحد العلماء زوجاً من الطيور وقال لوالدي: أحب أن تشويها وتضعها أمام الشيخ ((البيد آبادي)) .. فقبلها الوالد غافلاً عن وصية الشيخ، فشوى الطيرين ووضعهما أمام الشيخ عند العشاء، وما أن رأى ((البيد آبادي)) الطيرين حتى قام عن السفرة، وقال لوالدي: أوصيتك بعدم قبول هدية من أحد. ولم يأكل منها شيئاً.
***
لا تتعجب عزيزي القاريء من عدم تناول ((البيد آبادي)) للطيور تلك رغم ان أحد العلماء هو الَّذي أحضرها، فقد يكون من أحضرها لذلك العالم لم يرض صائدها، أو ان الصياد لم يذكّها كأن لم يذكر اسم الله عليها عند ذبحها، أو لاحتمالات أخرى، وبما أنّ لتناول لقمة الشبهة أثراً في قساوة القلب وغلظته، لذلك يحترز ذلك العالم الكبير ((البيد آبادي)) من تناولها.
الخلاصة هي ان اللقمة الَّتي يتناولها الإنسان بمثابة البذرة التي تزرع في الأرض، فإذا كانت بذرة جيدة فستكون ثمرتها جيدة كذلك، وإلاَّ فستكون سيئة مثلها، وإذا كانت اللقمة حلالاً وطاهرة فستكون ثمرتها لطافة القلب وقوة آثار الروح، وإذا كانت لقمة حرام فتكون ثمرتها قساوة القلب والميل إلى الدنيا والشهوات والحرمان من المعنويات.
وليس موضع عجب أن يعرف عالم كبير كالبيد آبادي خبث وشبهة الطيور تلك، فالإنسان ببركة التقوى وشدة الورع وخاصة الإحتزاز عن لقمة الشبهة تكسبه صفاءً في القلب ولطافة في الروح، فيدرك بذلك الأُمور المعنوية والتي هي ما وراء الاحساس.
أمثال هذه القصة وأفضل منها نقل عن عدة من العلماء الربانيين، وبما أن ذكرها جميعاً يخرج عن نطاق هذا المختصر فسأكتفي بذكر واحدة منها نقلها ((النوري)) في المجلد الأول من كتابه ((دار السلام)) عند ذكره لكرامات العالم الرباني السيد ((محمد باقر القزويني)).
قال: نقلت بنت أخ السيد ((بحر العلوم)) ان السيد ((مرتضى النجفي)) قال: ذهبت برفقة السيد ((القزويني)) لزيارة أحد الصلحاء، وعندما أراد السيد النهوض من مجلسه قال له ذلك الرجل: في بيتنا اليوم يوجد خبز طازج وأحب أن تأكلوا منه. وافق السيد، وعندما وضعت السفرة أخذ السيد لقمة من الخبز وما أن وضعها في فمه حتي تراجع عن السفرة إلى الخلف ولم يتناول من الخبز شيئاً، فسأله صاحب البيت: لماذا لا تتفضل؟
فقال السيد: إمرأة حائض خبزت هذا الخبز.
فتعجب الرجل لعدم علمه بذلك وذهب لتحقيق ذلك فعلم بصحّته ثم أتى بخبز آخر فأكل منه السيد.
فعندما تخبز المرأة الحائض خبزاً علق بذلك الخبز نوع من القذارة والوساخة المعنوية التي يدركها صاحب الروح اللطيفة والقلب الصافي، إذ فما هو حال الخبز الَّذي يعده من هو مبتلى بأنوع التلوثات من نجاسات معنوية وظاهرية.
ونقل كذلك عن أحوال السيد ((إبن طاووس)) أنه كان لا يأكل من الطعام الَّذي لم يذكر عليه إسم الله عند إعداده، عملاً بقوله تعالى: ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه﴾
الويل لهذا العصر الَّذي استبدل ذكر إسم الله على الطعام حين إعداده بالموسيقى وآلات اللهو، وقرنوا نعمة الله بمعصيته، وأسوأ من ذلك الخبز المعد من قمح أو شعير كان زكاة ومن حق الفقراء، أو كانت الأرض الَّتي زرع فيها غصباً، وإن كان الآكل المسكين لا يعلم بهذه الأمور إلاَّ أن أثرها الوضعي والحتمي موجود. من هنا نعلم سبب قساوة القلوب في هذا العصر ولم تعد الموعظة تؤثر، وتسلطت عليهم وساوس الشيطان حتى عزَّ وندر وجود صاحب اليقين والقلب السليم، وصار مع هذه الحال خروج أحد من الدنيا بإيمانه محل تعجب.