الأحد، 11 مايو 2014

بيض الدجاج


استاء بدويّ من بعض أقاربه وأصدقائه ، بعد أن خيّبوا ظنه ولم يجدهم في وقت عُسره ومحنته ، ولم يكن يتوقع منهم ما رأى ، فعبّر عن ذلك شِعراً بقوله :


يهِدَّكْ يا قلبـي ما أَرْدَا فعايلــك


يا اللي تريد من بيض الدجاج صقُور


والله عُمر طَيْر البوم ما صار بَاشِق


ولا صار من فـوق الطيـور يحـوم

التسميات:

الأحد، 13 أبريل 2014

حيلة غريبة باستخدام الجرذون

حيوان الجرذون

كان الأعراب يلاقون في صحرائهم كثيراً من الشِّدَّة والعَنَت ، ، بسبب سنوات القحط المتتابعة وقلة سقوط الأمطار ، فكانت تجفّ المراعي ، وتنضب موارد المياه ، فتموت الماشية ، ويعضهم الفقر بنابه ، ولا يجد بعضهم ما يقتات به ، فيتعرضون للجوع والعطش ، وقلة ذات اليد .

ولم يكن الأعراب من هواة الزرع والقلع ، فلم يكونوا يستقرون في أماكن ثابتة حتى تستهويهم الزراعة والفلاحة ، ولم تكن نسبة الأمطار مشجعة على ذلك حتى لو كانت النية موجودة .

فكان بعض الفقراء منهم يهيمون على وجوههم يبتغون الرزق عند أهل القرى الذين كانت حالتهم أحسن ومنطقتهم أكثر خصباً ، وأوفر حظاً من كمية الأمطار التي تسقط في السنة ، فكانوا يزرعون حقولهم بالحنطة والشعير والعدس ، إضافة إلى كروم العنب والتين والرمان وغيرها من الأشجار المثمرة .

وكان بعضهم يزرع نبات التبغ فيقص أوراقه عدة مرات وينشرها ويجففها على ظهر بيته ، فيستعمل بعضها لاستهلاكه الشخصي ويبيع ما يزيد عن حاجته .

وكان أهل القرى قد سئموا وضجوا من كثرة السائلين من الأعراب بسبب إلحاحهم وكثرة سؤالهم ، وأصبحوا يكرهونهم ولا يعطونهم شيئاً ، اللهم إلا بعض الأرغفة القليلة من الخبز ، تتصدق بها النساء وهن يخبزن على الطابون ، وكان من عادة أهل القرى إذا جاءهم أعرابي أن يقولوا له : لوك على الجارات ، أي اذهب إلى النساء المجاورات اللواتي يخبزن على الطابون فقد تجد شيئاً من طلبك عندهن ، فيحصل الأعرابي على بعض الأرغفة هناك .

وكان أحد الخبثاء قد رأى تبغاً منشوراً على أحد البيوت ، وكان مُدخِّناً مدمناً فسال لعابه له ، وطلب من صاحب البيت شيئاً منه ولكن الأخير رده خائباً ولم يعطه شيئاً .

فأضمر الأعرابي شيئاً في نفسه ، وفي المساء أمسك بحرذون وربطه بخيط طويل من ذيله ، وكان معه كيس من القماش ، فانتظر حتى حلَّ الظلام ونامت العين ، فذهب يختلس الخطى حتى وصل إلى ذلك البيت ورمى الحرذون عليه فوقع على التبغ المنشور ، وعندها سَحَبه من الخيط المربوط في ذيله فأمسك الحرذون بأرجله في أوراق التبغ المنشورة ، فسحبه فسقط وسقط معه كثير من أوراق التبغ ، فجمعها الأعرابي في كيسه ثم عاد ورمى الحرذون مرة أخرى ، وأعاد الكرَّة عدة مرات حتى أتى على كل أوراق التبغ وملأ كيسه منها وذهب عائداً إلى رفاقه ، ثم فكّ الخيط وأفلت الحرذون وضحك من تلك الحيلة العجيبة التي استطاع بواسطتها أن يشبع نهمه وشوقه من ذلك التبغ الطازج الذي ضنّ به صاحبه .

التسميات:

الجمعة، 7 فبراير 2014

ما على الدنيا فالح

اغنام تاكل الزرع

يحكى أنه كان لشيخٍ من العرب قطعة أرض مزروعة شعيراً ، وكان الزرع أخضر في بداية نموه ، ومرّ ذات يوم أعرابيّ كهل يلبس جاعداً على ظهره ومعه قطيـع من الغنـم يسوقه ويُظْعن بـه بقـرب أرض الشيـخ ، وكانت بعض الأغنام تدخل في الزرع وتأكل منه ، وكان للشيخ عبد قويّ مفتول العضلات مغرور بقوته لا يحسب أن أحداً يستطيع أن يغلبه ، فهرع العبد يجري مسرعاً نحو الأغنام يضربها بعصاه، ويطردها عن الزرع وهو يسبّ الأعرابي ويشتمه ويهدده بالضرب، فهادنه الأعرابيّ بالكلام اللين ولكنه لم يجدِ معه ، بل اقترب العبد منه ورفع يده ليضربه ولكن الأعرابيّ كان أسرع منه فأمسكه مع عصاه ووضعه تحت إبطه وضغط عليه بساعده حتى كاد يكسر عظامه وأخذ يسوق أغنامه على مهل ، والعبد معلق تحت إبطه تكاد تزهق روحه، وبعد أن ابتعد عن الزرع رماه من تحت إبطه فوقع محطماً ، لا يكاد يقوى على النهوض ، فقام العبد لا يصدّق بالنجاة وهرب لا يلوي على شيء وهو يقول : " طول والولاّدة بتولد ما على الدنيا فالح .

التسميات:

الاثنين، 27 يناير 2014

الفرق بين العبدين

العمل في الارز

كان لأحد المزارعين عبد يدعى " سلاّم " ، وكان مخلصاً أميناً ، يعمل في الحراثة والحصاد ونقل الغلال ، وسقي المواشي وغير ذلك من الأعمال ، وكان للرجل أملاك وأطيان كثيرة مما أرهق العبد وأثقل كاهله ، فتكلم مع سيده في الأمر ، وشرح له عما يلاقيه من تعب ومشقة من كثرة الأعمال التي يقوم بها وحده وقال له : انه بحاجة إلى مساعد ليعينه على كثرة المشاغل التي لا يستطيع أن يقوم بها بمفرده , وطلب من سيده أن يشتري له عبداً آخر ليعينه على هذه الأعمال الكثيرة .

وافق الرجل واشترى عبداً آخر , وصار العبد الأول ، يعطيه الأوامر ليعمل كذا وكذا ، وأخذ يرتاح هو ويترك أكثر الأعمال ليقوم بها العبد الجديد .

وأطاع العبد الجديد الأوامر في بداية الأمر ، ولكنه بعد أن كثرت عليه الأعمال ، ورأى أن العبد الأول لا يقوم إلا بالقليل منها ، ضجّ من ذلك , فقال للعبد القديم غاضباً : " ما الفرق الذي بيني وبينك يا سلاّم .. أنا اشتراني السنة ، وأنت اشتراك العام " !.

أي ما الفرق الذي بيني وبينك يا سلاّم فكلانا عبيد للرجل ، اشتراني أنا في هذه السنة واشتراك أنت في العام الذي قبله فكيف تعطيني الأوامر لأعمل أنا وترتاح أنت .

وهكذا عاد العبدان ليعملا سوية في خدمة الرجل دون أن يرتاح أحدٌ منهما على حساب الآخر .

التسميات:

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

قرى ما بهن هبة الريح


من عادة المسافر في الصحراء أنه إذا غربَتْ عليه الشمس وحلّ المساء فإنه يتّجه إلى أول بيت يلاقيه أمامه ليبيت فيه ، وبعد أن يستقبله صاحبُ البيت ويجلس ويأخذ مكانه يسأله صاحب البيت قائلاً :

- أنت قادم من سفر فهل حصلتَ على طعام ؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فإن صاحب البيت يقدّم له القهوة ويسهر معه بعض الوقت ثم يهيىء له مكاناً للنوم ويقول له : أنت مسافر والمسافر يتعب من السفر فخذ راحتك في النوم .

وعادة ما ينام صاحب البيت في فراش قريب من فراش الضيف .

أما إذا لم يصب طعاماً فإن المضيف يقدم له ما تيسر من الطعام ويأكل معه حتى يشجعه على تناول الطعام .

وظن شاعرٌ بدويّ أن الوضع في القُـرى مشابه لما تعـوّد عليـه في الصحــراء ، ولكنه وجد العكس من ذلك فكان كلما اتجه نحو بيت يقابلونه بالطرد وعدم الاستقبال حتى مرّ على ثلاثة قرى لم يستقبله فيها أحد فقال في ذلك شعراً :

ثلاث قُرى ما بهن هَبَّة الريح سِلْوَان وأبو دِيس والعيزرية

والقصيدة طويلة ولكن هذا ما يحضرنا منها ، وطارت أبيات ذلك الشاعر في هجاء هذه القرى وتسامع بها الناس فحرفها بعضهم على أنها :

ثلاث قُرى ما بهن هَبَّة الريح سِلْوَان والطُّور والعيزرية

والطور أيضاً قرية مجاورة لهذه القرى وهي تقابل المسجد الأقصى في فلسطين من الجهة الشرقية .والله أعلم .

التسميات:

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

الثعلب وابنه

الثعلب وابنه - fox and son

يروى أن أحد الثعالب تعبّد في آخر حياته وأخذ يكثر من الصلاة والتهجّد ، وكان بعد أن يصلي صلاة الفجر في كل يـوم يدعـو ربه قائلاً : اللهم أَكْفِنَا شَرَّ ابن آدم .

وكان له ابن صغير يسخر منه ومن دعائه ويقول له من هو هذا ابن آدم الذي تدعو كل يوم ليقيك الله شره ، ويسكت الأب على مضض لأنه يعرف أن ابنه لم يعرك الحياة بعد ولم يفهـم أسرارهـا وخفاياها .

وذات يوم خرج الثعلب يبحث عن طعام له ولعائلته ، وخرج ابنه الصغير من جحره وأخذ يلعب ويركض هنا وهناك حتى ابتعد كثيراً عن جحره .وفجأة أبصر به بعض الفتية الذين كانوا قريباً من المكان فتربصوا له حتى أمسكوا به ، وربطوه بحبل في عنقه وأخذوا يقودونه ويجرونه ، وإذا امتنع من السير معهم يضربونه على ظهره حتى كاد يهلك من شدة العناء والضرب ، وظل مع الصبية على تلك الحال إلى ساعات المساء حيث استطاع الإفلات منهم والهرب بكل قواه حتى وصل منهكاً إلى جُحره ومأمنه .

وفي صبيحة اليوم التالي عندما صلى الثعلب الأب صلاته المعهودة وأخذ يدعو بدعائه المعتاد : اللهم قِنَا شر ابن آدم ، رفع الثعلب الصغير يديه قائلاً : وشرّ أبنائه يا أبي ، وشرّ أبنائه يا أبي .

ففهم الثعلب الأب بأن ابنه قد تعلّم درساً في الحياة سينفعه طيلة عمره .

التسميات:

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

في الدَّبَّة جمل

يكذب الكذبة ويصدقها - في الدَّبَّة جمل

يُحكى أن أحد المغفلين كذب في السوق وقال أن في «الدَّبَّة» وهي مكان معروف جمل مذبوح وكان من عادة الناس في ذلك الزمان انه إذا كُسر جملٌ عند أحدهم وأصبح صاحبه لا يستطيع الاستفادة منه لا في العمل ولا في حراثة الأرض أو في النقل أو غيره فإنهم يذبحونه ويوزعون لحمه على الجيران مقابل ثمن زهيد ، فهرع الناس إلى المكان لأخذ حصتهم، وعندما رأى كثرتهم ذهب يعدو خلفهم ليأخذ نصيبه ونسي انه هو الذي ابتدع هذه الكذبة . وتدل هذه القصة على سذاجة بعض المغفلين الذين يصدقون حتى الأباطيل التي يبتدعونها هم بأنفسهم .

التسميات:

السبت، 12 أكتوبر 2013

ضَيَّقْتَه كثيراً

منزل ضيق

يحكى أنَّ صديقين اتفقا على ضيافة أحد الأجواد حتى يتناولا طعام الغداء عنده ، وكانت عادة الضيافة مشهورة في ذلك الزمان ، فلم يكن وراء الناس ما يشغلهم من الأعمال ، وقد اشتهر هذان الصديقان بالكذب ،وكانا يعرفان ذلك من نفسيهما ، فقال أحدهما للآخر اسبقني أنت بضيافة فلان ، وأنا سأجيء من بعدك ، واجعل نفسك لا تعرفني ، وعندما يصافحني المضيف ، قُم وصافحني أيضاً وكأنك لم تعرفني من قبل ، وإذا كذبتُ أنا وسرحت كثيراً في الكذب فاهمزني بجنبي حتى انتبه لنفسي ، وإذا كذبتَ أنت فسأهمزك أنا ، وهكذا كان ، فذهب الأول لضيافة صاحـب البيت الذي رحّـب به وأكرم وفادته ، وبعد ذلك بقليل جاء الآخر من مكان مختلف ، وصافح صاحب البيت وصافح صديقه وجلس بجانبه وكأن لا معرفة بينهما ، وبعد أن تناولا طعام الغداء نظر أحدهما إلى بيت المضيف وقال : الحقيقة إن بيتك هذا جميل ولكنه صغير نسبياً ، وقد بنيتُ أنا بيتاً أكبر منه بكثير . فقال له المضيف : وكم طول بيتك ؟ فقال : سبعون متراً ، فهمزه صاحبه الذي بجانبـه ، فقـال المضيـف وكم عرضه فقال : متراً واحداً ، فقال له : لقد ضَيَّقْتَه كثيراً ، فقال : الله يُضَيّق على الذي يُضَيّق . وهو يقصد بذلك صاحبه الذي لم يتركه يكذب على راحته .

التسميات:

الأحد، 29 سبتمبر 2013

إلحق أخوالك

إلحق أخوالك - العائلة

يُحكى أن امرأةً كان لها ابن مغفّل وضعيف الشخصية ، وبحثت له عن زوجة ترضى بالزواج منه حتى وجدت أخيراً فتاة تكبره بعدة سنوات وافقت على الزواج منه ، وفرحت الأم بزواج ابنها ، ولكن الابن بعد الزواج بدأ يهزل ويضعف ويصفرّ وجهه ، وأصبح مُخَاطه سائلاً ، وحالته يرثى لها ولا يكاد يقوى على المسير ، ورأته أمه وهو على هذه الحالة وهي المجربة الخبيرة ، وعرفت أن ما حلّ بابنها هو من فعل زوجته الشابة . فأرادت أن تريحه قليلاً فقالت له ما رأيك يا ابني أن تذهب معي لنزور أخوالك ونمكث عندهم عدة أيام حتى نغير جوّ وترتاح نفوسنا وتهدأ حالنا ثم نعود وقد جددنا نشاطنا وارتحنا قليلاً ، وكذلك فإننا لم نزر أخوالـك منذ فتـرة طويلـة ، ولا بد أنهم مشتاقون لرؤيتنا ، وكان الأخوال على مسافة بعيدة عن بيت تلك المرأة وابنها . فوافق الابن على مرافقة أمه وركبت الأم وابنها كلّ على بهيمته وسارا حتى وصلا إلى منازل أهلها ، ورحّب أهل المرأة بقدومها وقدوم ابنها واحتفوا بهما وأكرموا وفادتهما ، ومكثا عندهم أكثر من أسبوع من الزمان ، فعادت إلى صاحبنا قوته واستعاد نشاطه وبدأ الإحمرار يزهو على وجنتيه وتحسّن حاله كثيراً .

وبعد هذه الراحة الطويلة عادت الأم وابنها معها إلى منازلهم ، وفي الطريق مرّا على قطيع من الغنم والماعز ، فرأى ابنها تيساً هزيلاً تكاد جوانب بطنه تلتصق ببعضها لشدة الهزال ، ومخاطه يسيل على وجهه وحالته سيئة للغاية ، وعندها تذكر الشابّ حالته وخاطب التيس بصوت عال قائلاً : إلحق أخوالك .. إلحق أخوالك .

وضحكت الأم من سذاجة ابنها وقلة عقله وعادت به إلى بيتهم .

التسميات:

الخميس، 26 سبتمبر 2013

الثعلب الماكر والمرأة العجوز

الثعلب الماكر والمرأة العجوز

يُحكى أنَّ امرأة عجوزاً كانت تربّي الدجاج ، وكان لديها العديد منها من ديوكٍ وفراريج وكتاكيت وغيرها ، وكانت تعمل لكل مجموعة منها قنّاً خاصاً بها حتى كثرت دجاجاتها وأصبحت ترتزق من ورائها ، فمرة تبيع من بيوضها ، ومرة أخرى تبيع من الديوك الصغيرة ، أما الإناث فكانت تربيها لتزيد من عدد الدجاجات التي تضع البيض .

ودام الحال على ذلك إلى أن سمعت العجوز ذات صباح صراخ دجاجاتها فهبت تهرول نحوها مذعورة لترى ما الذي حلّ بها أو أصابها ، وكان الثعلب قد دخل قنَّـاً وفتك بالعديد مما بداخله من الدجاج ، ومن عادة الثعلب إذا دخل قنّ الدجاج أن يقتل كلَّ الدجاجات التي فيه ، ولكن العجوز باغتت الثعلب ، ولم يكن أمامه شيء من الوقت ليهرب منها ، فرمى نفسه وتظاهر بأنه ميت ، وعندما رأت العجوز دجاجاتها المقتولة والثعلب ملقى بجوارها ، ولسانه يتدلّى خارج فمه وعليه شيء من الزَّبَد فما شكّت بأنه ميت بالفعل ، فقالت : تستحق والله أكثر أيها الغدار اللئيم ، وأمسكته من ذنبه ورمته خارج القنّ ، ولكن ما أن وطأت قدماه الأرض حتى فرَّ مذعوراً وولى هارباً ، وأسقط في يد المرأة العجوز وعرفت أن الثعلب قد خدعها عندما تظاهر بأنه ميت وأضمرت له شراً إن عاد لمثلها .

وعاد الثعلب بعد أيام وفعلَ فعلته الأولى وداهمته العجوز ووجدته ميتاً في القنّ كما وجدته في المرة الأولى ، فقالت : آه أنت ميت ، الآن تموت بصحيح ، وربطته من يديه ورجليه وأحكمت وثاقه ، وأشعلت ناراً كبيرة في كومة قش ورمته فيها ، فأخذ يصرخ بكلّ قواه ، ولكن الحيلة لم تسعفه في هذه المرة فقضى محروقاً .

وهكذا تخلصت العجوز من ذلك الثعلب الماكر الذي فتك بدجاجاتها ، وكاد يقضي على مصدر من مصادر رزقها .

ونحن لا ننصح بمثل هذه الأعمال لأن هذه الحيوانات خلقت تعيش على أكل اللحوم ، وعندما يشتد بها الجوع تلجأ لمثل هذه الوسائل ، وعلينا أن نأخذ حرصنا منها دون أن نؤذيها أو نقتلها .

التسميات:

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

لم يعدم الوسيلة

لم يعدم الوسيلة

يُحكى أن شيخاً طاعناً في السنّ ، كانت عنده بعض البهائم ، وكان يُفْلتها من مربطها في الصباح ويتركها ترعى قريباً من البيت ، وفي ساعات المساء كان يطلب من أبنائه أن يعيدوها إلى مكانها ، حتى لا تهيم على وجهها في الليل فتفترسها الذئاب أو تفتك بها الوحوش الضارية .

وكان أولاده يلومونه على هذا التنبيه الذي يكرره على أسماعهم في كل ليلة ويقولون له : يا والدنا ، هل لا يوجد لدينا شُغل إلا هذه البهائم ، فمرة أفلتوا البهائم ، ومرة أعيدوها واربطوها . سئمنا من هذا الأمر !.

فغضب الشيخ وأقسم أن لا ينبههم إلى هذا الأمر مرة أخرى ولا يُذَكّرهم بالبهائم حتى لو أكلتها الوحوش .

وفي اليوم التالي وعندما حلّ المساء وخيّم الظلام على المكان لم يتذكّر أحد من أبناء الشيخ بهائمهم ، وحتى لم تفطن على بال أيّ واحد منهم .

وتأخر الوقت ، وأخذ الشيخ يتململ في مكانه ولما كان قد أقسم ألاَّ يُذكِّرهم بشيء ، فتحيّر ما عساه يفعل في مثل هذه الحالة ، ولم يعدم الشيخ الوسيلة ، بل خرج إلى خارج البيت وأخذ ينهق بصوت عالٍ ، فتذكر الأبناء بهائمهم وخرجوا ليبحثوا عنها ، ولكن الوقت كان متأخراً فقد هامت البهائم على وجهها وابتعدت عن مكان رعيها ، وكان أن هاجمتها الذئاب وفتكت بها جميعاً .

وأسقط في يد الأبناء ولاموا أنفسهم على عدم استماعهم لنصح أبيهم وندموا ولكن بعد فوات الأوان . وهكذا فإن من لم يستمع لنصح والديه يقع في الخطأ ويندم في حين لا ينفع الندم .

التسميات:

الجمعة، 6 سبتمبر 2013

الغولة وابن الملك


كان لأحد الملوك ثلاثة أولاد في غاية الجمال والأدب، وقد بنى لهم قصراً من زجاج ووضعهم فيه، ولم يسمح لهم بالخروج خوفاً عليهم، وكانت إحدى الخادمات تأتيهم بطعامهم في كل يوم ، وهو عبارة عن بيض لا قشر فيه, ولحم لا عظم فيه, وفجل لا ورق فيه, وظلت هذه الخادمة تأتيهم بطعامهم وتخدمهم فترة طويلة، ثم توفيت وصارت تأتيهم بطعامهم خادمة جديـدة فأتـت لهم بالبيـض وقشـره فيه , واللحم وعظمه فيه, والفجل وورقه فيه, فقالوا لها لماذا تأتينا بالطعام على هذه الصورة, وقد تعوّدنا أن يصلنا البيض ولا قشر فيه، واللحم لا عظم فيه، والفجل لا ورق فيه, فقالت لهم : تُقشِّرون البيض فتتسلون بتقشيره, وتأكلون اللحم وتمصمصون العظم فتتسلون بذلك, وقد يعجبكم ورق الفجل فتأكلون منه, فقالوا لها: نِعم الرأي فعلتِ، وأنت على حقّ في ذلك, واستمرت الخادمة تأتيهم بطعامهم على هذه الطريقة مدة من الزمان، وفي إحدى المرات رمى أحدهم بالعظم فكسر زجاجة من القصر وعمل فجوة صغيرة, فنظروا من خلالها إلى العالم الخارجي, وإذا هناك بيوت وأناس ودواب وأراضٍ خضراء, فأعجبهم ذلك المنظر، وقالوا لماذا نحن في هذا السجن, وعندما أتتهم الخادمة قالوا لها قولي لأبينا, إذا كنا بنات نريد أن نتزوج, وإذا كنا أولاداً نريد أن نتزوج, وإذا كنا زرعـاً نريد أن نُحصد .

فأبلغت الخادمة أباهم بذلك ، فذهب إليهم وقال لهم سأزوجكم , وغداً سآمر جميع بنات المملكة بالمرور من تحت القصر , وإذا أعجبت أحدكم واحدة منهن فليرمها بحبة تفاح ، وسوف أزوجها له .

ومرّت البنات .. جميع بنات المملكة مررن من تحت القصر ، وكان أولاد الملك يتفحصون بأنظارهم تلك البنات , ورمى أكبرهم واحدة بحبة تفاح ، وبعد فترة , رمى أوسطهم حبة التفـاح على فتـاة أخـرى ، أما الصغير فلم يرمِ بحبة التفاح التي كانت معه , وأمر الملك البنات أن يمررن مرة أخرى ففعلن , ولكن الابن الأصغر لم يرم إحداهن بتفاحته وكانت هناك فتاة تخلّفت عنهن فأمرها الملك بالمرور فمرّت , فرمى ابن الملك تفاحته عليها , فكانت البنتان التي رماهما الأخوان الأكبر والأوسط ابنتي عميهما , أما التي رماها الابن الأصغر فكانت " غولةً " .

وزوج الملك أبناءه ودخل الأخوان الأكبر والأوسط على عروسيهما وخرجا للناس ، أما الأصغر فلم يخرج , وبقي ثلاثة أيام دون أن يخرج فقلق والده الملك وأهله عليه , وفي الليل تسلل أبوه ونظر من خلال فتحة في القصر فرأى ابنه مرمياً على ظهره وعلى صدره رحىً ثقيلة , وغولة عيونها صفراء كالنار تجْرُشُ عليها , ففزع الملك مما شاهدت عيناه وفرّ هارباً , وأمر جميع قبيلته بالهروب في جنح الظلام , ولم يبقَ خلفهم سوى فرس عجوز هرمة , وعندما أتى الصباح لم يبقَ لهم أثر في المكان , وعاد الابن الأصغر إلى وعيه وطلب من زوجته الغولة أن تسمح له بالخروج ليرى النور , فقالت : لا تحاول أن تهرب , لأنك لو هربت خمسة أعوام فأنا اقطع هذه المسافة في خمسة أيام , وسمحت له بالخروج فرأى النور ولم يرَ أحداً من أهله وقبيلته فتعجّب لذلك , ورأى الفرس الهزيلة وأراد أن يركبها ويهرب من المكان ، فنطقت الفرس وتكلمت وقالت له : أنا فرس هزيلة ولا أستطيع الجري ، وإن هربنا فسوف تلحقنا الغولة وتأكلنا معاً ، فتعال شقَّ بطني واخرج منها مُهرةً واركبها , وستكلمك المهرة كما كلمتك أنا , وخذ معك هذه العيدان الثلاثة، وهي عود أسود ، وعود أحمر ، وعود أبيض ، وعندما تلحقك الغولة ارمِ بالعود الأسـود , فينبت بينك وبينها شوكٌ كثيف يعوقها إلى حين ، فتبتعد عنها ، وعندما تلحقك مرة ثانيه ارمِ بالعود الأحمر , فتهب نيران بينك وبينها تعوقها إلى أن تبتعد عنها , وعندما تلحقك للمرة الثالثة ارمِ بالعود الأبيض فيصبح بينك وبينها سبعة بحور وهكذا تتخلص منها نهائياً .

وفعل الابن الأصغر ما أشارت به الفرس فشقَّ بطنها , وأخرج المهرة وركبها وأخذ العيدان الثلاثة وهرب .

وانتظرت الغولة أن يعود زوجها ولكنه تأخّر وأبطأ عليها فخرجت تبحث عنه وعندما تأكد لها أنه هرب منها ، لحقت به مسرعة حتى اقتربت منه ، فرمى بالعود الأسود فسدّ بينه وبينها شوك كثيف وما استطاعت أن تخلّص نفسها منه إلا بعد جهد ، وقد أصبح على مسافة بعيدة عنها , ولحقت به للمرة الثانية وعندما اقتربت منه رمى بالعود الأحمر ، فشبّت نيرانٌ عالية وحالت بينها وبينه , وما أطفأت قسماً منها ، وفتحت ممراً لها , حتى أصبح على مسافة بعيدة عنها , وعندما لحقت به للمرة الثالثة واقتربت منه ، رمى بالعود الأبيض فسدَّ بينه وبينها سبعة بحور , وهكذا تخلص منها نهائياً .

سار ابن الملك على مهرته وحيداً في البراري بعد أن أمن شرَّ الغولة , وأثناء سيره وجد ريشة طير مكتوب عليها , « مَن يأخذني يندم ومَن يتركني يندم » , فقال في نفسه إذا تركتها فانا نادم وإذا أخذتها فانا نادم , فآخذها وأندم أفضل من أن أتركها وأندم , وهكذا أخذها ، وسار حتى وصل إلى أقرب بلد وبات فيها , وكان مبيته قريباً من قصر ملك تلك البلاد , وفي الليل غنّت الريشة غناءً شجياً ، وطرب ابن الملك لغنائها ، وسمع ملك تلك البلاد ذلك الغناء الشجيّ فقال آتوني بالمغنّي , فبحثوا عن مصدر الغناء وسألوا الناس القريبين من المكان عن مصدر هذا الغناء ، فأنكروا خبره ، وقال بعضهم إنه لم يسمع به ، وأخيراً قال أحدهم ربما يكون مع هذا الغريب ، وعندما سألوه قال نعم ، إنها هذه الريشة ، وهي التي كانت تغني في الليل بذلك الصوت الشجي ، فأخذوه للملك ، وعندما عرف الملك بأن الريشة هي التي كانت تغنِّي ، قال لها : غنِّ يا ريشة ، فقالت لا أغني حتى تأتوني بطَيْرِي ، فقال الملك : ومن يستطيع أن يأتي بطيرك ، فقالت الذي أتى بي يستطيع أن يأتي بطيري ، فقال ملك تلك البلاد لذلك الغريب : أمهلك ثلاثة أيام وثلث اليوم على أن تأتيني بطيرها , وإن لم تفعل ، فسوف أقطع رأسك ، فخاف ابن الملك الصغير وندم على حمله لتلك الريشة وقال هذا أول الندم , وذهب ابن الملك على وجهه , والهمّ يعتصره ويأكل قلبه , ورأته المهرة وهو على هذه الحالة ، فقالت له : ما الذي جرى لك ، ولماذا أنت قلق , فأخبرها بالقصة , فقالت له ، لا تقلق فهذا من أسهل الأمور ، فقال لها : كيف ذلك ، فقالت : اذهب إلى الملك واطلب منه قفصاً ، وحبّةً سوداء وتعال إليّ , فذهب للملك فأعطاه ما طلب , وعاد فدلته المهرة على مكان يضع فيه القفص ويضع فيه الحبة السوداء ، وجاء الطير, ودخل في القفص وأخذ يأكل من الحبة السوداء ، فأغلق ابن الملك عليه القفص , وأخـذه إلى الملك , فقال الملـك : غنِّ يا ريشة ، فقالت لا أغَنِّي حتى يُغَنِّي طيري ، فقال غنِّ يا طير فقال لا أغنّي حتى تأتوني بزوجي ، فقال الملك ومن يستطيع أن يأتيك بزوجك ، فقالت الذي أتى بالريشة ، وأتى بي هو الذي يستطيع أن يأتي بزوجي , فقال الملـك : أمامك ثلاثة أيام وثلـث اليوم , لتأتي به , وان لم تأتِ أقطع رأسك , وسار ابن الملك على وجهه , وهو حيران قلق , والحزن ينهش قلبه , ورأته المهرة وهو على هذه الحال فقالت ما بك هكذا ، وما الذي أصابك فأخبرها بقصتـه , فقالت وهذا هيّن أيضاً , فقال لها وماذا أفعل ، فقالت : عُد إلى الملك واطلب منه عربتين مملوءتين بالألبسة وتعال إليّ , فعاد إلى الملك وأعطاه ما طلب ، فقالت المهرة اذهب الآن إلى السوق وبع هذه الألبسة بنصف الثمن وعندما يأتي زوج الطير سأدلك عليه ، فأغلق عليه الباب وأمسك به .

وذهب ابن الملك إلى السوق وذهبت معه المهرة وصار يبيع الملابس بنصف الثمن وأقل من النصف , وتهافت عليه الناس وبدأوا يزدحمون حوله , وأقبل زوج الطير وأراد أن يشتري فقالت له المهرة هذا هو فقال له ابن الملك ادخل واختر ما تريد من الملابس ، فدخل , وعندها أغلق ابن الملك عليه الباب , وحمله وسار به إلى الملك , فقال الملك غنِّ يا ريشة فقالت لا أغني حتى يغني طيري ، فقال غنِّ يا طير ، فقال لا أغني قبل أن يغني زوجي ، فقال غنِّ يا زوجها , فقال لا أغني حتى تأتوني بخاتمي ، فقال الملك : وأين هو خاتمك ، فقال : سقط في البحر , فقال ومن يستطيع أن يأتيك به . فقال الذي أتى بالريشة والطير وبي , هو الذي يستطيع أن يأتي بخاتمي , فقال الملك أمامك ثلاثة أيام , إذا أحضرت خلالها الخاتم عفوت عنك , وإذا لم تحضره أقطع رأسك .

فذهب ابن الملك وهو يكاد يجنّ ، وهو يضرب كفاً بكف وقد بدا القلق على وجهه وهو يقول : كيف أستطيع أن أُحضر خاتماً قد سقط في البحر ، وأين أبحث عنه يا إلهي ، وفي أي مكان من البحر ؟!

ورأته المهرة وهو على هذه الحال ، فسألته عما حدث له فأخبرها بما طلب منه الملك ، فهدأت من روعه وقالت وهذا أيضاً أمر هيّن ، عد الآن إلى الملك واطلب منه سفينتين مليئتين باللحم وتعال إليّ ، فذهب إلى الملك وأعطاه ما طلب ، وعاد إلى المهرة فقالت أنزل الآن بسفينتيك إلى البحر وارمِ قطع اللحم هنا وهناك في أماكن مختلفة من البحر حتى يخرج إليك ملك السمك وهو الذي سيعطيك مرادك إن شاء الله ، فنزل إلى البحر وصار يرمي قطع اللحم هنا وهناك والسمك يلتهمها بنهم ، ورآه ملك السمك فخرج إليه وقال له : ما بك أيها الرجل ولماذا ترمي هذه اللحوم إلى البحر فقال إني أبحث عن خاتم لي سقط في البحر ، فقال ملك السمك انتظر قليلاً وسأدعو جميع السمك الذي في البحر ، فدعا السمك وأمرها جميعاً أن تقذف ما في بطونها ، ففعلت الأسماك جميعاً ما أمرها به ملكها ولكنهم لم يجدوا الخاتم ، وأخيراً رأوا سمكة متأخرة يبدو عليها التعب والإعياء ، وعندما قذفت ما في بطنها وجدوا الخاتم ، فأخذه ابن الملك وعاد إلى الملك بعد أن شكر ملك السمك ، وأعطى الخاتم للطائر وسأله هل هذا خاتمك فقال نعم ، فقال الملك إذن غنِّ يا ريشة فقالت لا أغني حتى يغني طيري فقال : غنِّ يا طيرها ، فقال لا أغني حتى يغني زوجي ، فقال غنِّ يا زوجها فقال لا أغني حتى تشعلوا ناراً ثلاثة أيام ويدخلها الذي أتى بي إليك ويقف فيها ثم يعود ويخرج إلينا دون أن تمسّه النار بأذى . وأعطى الملك مهلة ثلاثة أيام وثلث لابن الملك التعيس الحظ ليهيئ نفسه للدخول في النار والوقوف فيها ، وشعر ابن الملك بأن نهايته قد اقتربت ، وقال في نفسه لا مفر من الموت في هذه المرة ، ولن أنجو كما نجوت في المرات السابقة .

وأمر الملك بإشعال النار فأشعلوها حامية عالية ، ورأت المهرة آيات القلق والخوف والحزن ترتسم على وجه ابن الملك فسألته عما حدث له ، فأخبرها بقصة النار ، فقالت : أحضِر إناءً وأملأه من عَرَقِي واغسل به جسمك قبل أن تدخل النار بقليل ، وادخل النار فلن تؤذيك بعون الله تعالى ، وعندما جاء اليوم المحدّد غسل ابن الملك جسمه بعرق المهرة ودخل النار أمام الجميع ، ووقف داخلها عدة دقائق فلم تؤثر فيه ولم تؤذه بالمرة ، ثم خرج منها سليماً معافى ، فقال الحاضرون إذا كان هذا الصعلوك الفقير يدخل النار ولا تؤذيه فكيف أنت يا ملك الزمان ، فتجرأ الملك أمام شعبه ودخل النار ولكنه لم يخرج منها فقد أحرقته والتهمته ألسنتها الحامية ، وأراحـت النـاس منه ومن ظلمـه ، وعندها قال الشعب بلسانٍ واحد ، لا يليق بالمُلك علينا إلا هذا الشاب الذي فعل الأعاجيب ودخل النار ولم تحرقه ، ونصبوه ملكاً عليهم ، وغنّت له الطيور في كل يوم وأدخلت الفرحة على قلب الملك الجديد ، وفرح سكان البلدة بملكهم الذي أحبهم ، وحكـم بينهم بالعدل والمحبة .

التسميات:

الخميس، 5 سبتمبر 2013

عقالك ظَلّ


كان الناس يعتقدون بأن كثيراً من الأماكن المهجورة في الصحراء ، أو بعض الأشجار التي تنبت على جوانب الطرق تكون مسكونة بالجنّ الذي يخرج على الناس ، أو على كلّ من يسير لوحده في ساعات الليل أو المساء أو يمرّ بالقرب من تلك الأماكن في أوقات الظلام ، وكانوا يتجنبون الاقتراب من هذه المواقع في ساعات الليل ، وكذلك يتجنب الواحدُ منهم السير منفرداً في هذا الخلاء .

فكان كلّ من يمر من هناك بالصدفة دون أن يعرف عن قصة هذه المواقع يخرج عليه ساكنُ ذلك المكان من الجنّ ويفزعه ، أو يتصوّر له في هيئاتٍ شتى ثم يفزعه في نهاية المطاف ، وكثيراً ما كان بعض هؤلاء الذين يتعرضون لمثل هذه الحوادث ما يصابون بالجنون ، وحتى أن بعضهم قد يموت من شدة الفزع .

والحكايات حول هذا الموضوع كثيرة ومتعددة ، وتأخذ أشكـالاً مختلفة ، وأحداثها وأبطالها تختلف من بلد لآخر ، وقد يكون في هذه الحكاية ما يوضِّح الصورة ، حول الموضوع الذي نحن بصدده .

يحكى أن رجلاً فقيراً ذهب ليشتري له جدياً صغيراً من سوق غزة قبل عيد الأضحى بفترة حتى يكون سعره رخيصاً ويربيه في بيته ويطعمه حتى إذا ما جاء العيد يكون الجدي سميناً فيذبحه أضحية لأولاده ، وكان من عادة الناس أن يسيروا في ساعات الليل حتى يدركوا السوق مع بدايته في ساعات الصباح الباكر .

وفي الطريق وفي ساعات الظلام الحالك وبينما كان الرجل يسير لوحده كانت هناك شجرة سِدْرٍ كبيرة منفردة على جانب الطريق ، وعندما وصل إليها الرجل وجد جدياً صغيراً يرتعد من البرد ، فقال الرجل في نفسه : يبدو أن هذا الجدي قد ضلّ من قطيع مَـرَّ من هنا في ساعات المساء ، وقال سبحان الله الذي وفَّر عليّ جهدي ومالي ويَسَّر لي بهذا الجدي الهزيل ، وسأعود به إلى عيالي وأطعمه وأعلفه وأسقيه حتى يسمن ، وما أن يحين وقت العيد إلا ويكون جدياً كبيراً فأذبحه أضحية لأولادي .

وحمل الرجل ذلك الجدي على رقبته ثم عاد أدراجه ، وصار يفكّر في هذا الحظ الطيّب وفي تربية الجدي وفرحة الأولاد به ، وسها عن نفسه أثناء تفكيره ، ولكنه أخذ يشعر بأن الجدي الذي يحمله أصبح ثقيلاً ، فاستغرب ذلك ، وأخذ الجدي يكبر ويثقل فنظر إليه الرجل وإذا به قد أصبح تيساً كبيراً ، وإذا برجليه قد طالت أمامه حتى كادت تصل إلى الأرض .

فأدرك الرجل بأن الجدي الذي يحمله ما هو إلا ذلك الجنيّ المعهود الذي سمع عنه والذي يخرج على كلّ من يسير لوحده في ساعات المساء في هذه الطريق الموحشة ، وأدرك أيضاً أنه قد وقع في حبائله فكيف يكون الخلاص منه .

فتململ الرجل واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم رمى الجدي بقوة من على رقبته ، فوقع على الأرض ، وهرب هو بكلّ قواه لا يلوي على شيء ، ووقع منديل الرجل وعقاله من على رأسه فناداه الجدي من خلفه قائلاً : تمهل يا هذا ، فعقالك قد وقع .. تمهل .. عقالك ظلّ .. عقالك ظلّ ..

ولكن الرجل لم يلتفت وراءه ، بل ظلّ يجري حتى ابتعد عن ذلك المكان ، وهو لا يصدق بالنجاة ..

ثم نظر خلفه فلم يجد الجدي قد تبعه ، فتنفس الصعداء وحمد الله ، بعد أن فقد الأمل بالنجاة من أيدي ذلك الشيطان .

التسميات:

الجمعة، 23 أغسطس 2013

ابنة الرجل الشهم

ابنة الرجل الشهم

يُحكى أن أحد الشيوخ تقدّم به العمر وكان له ابن شابٌّ فأوصاه أن لا يتزوج إلا من ابنة رجل شهم ، وقال له : إن ابنة الرجل الشهم تستطيع أن تعيش معها حياة طيبة ، لأن تربيتها تكون تربية حسنة إضافة إلى أن وراءها أب تظل عينه ترعاها حتى لو كانت متزوجة وفي بيت زوجها ، أما ابنة الضعيف من الرجال فلا يأتيك من ورائها إلا المشاكل بسبب التربية الفاسدة ، وعدم وجود من يوقفها عند حدها فيما لو حدث سوء تفاهم بينها وبين زوجها .

وعاش الشيخ فترة من الزمان ثم انتقل إلى رحمة الله . وبحث الابن عن زوجة ملائمة تكون ابنة لرجل شهم حسب المواصفات التي أوصاه والده بها ، ووجد في نهاية المطاف فتاة تنطبق عليها تلك المواصفات .

فجاء إلى أهلها وطلب يدها من أبيها وأخبره بقصته ووصية أبيه له ، فقال له أبو الفتاة : أزوجها لك ولكن بشرط إذا وافقـت عليه فهي لـك ، وإذا لم توافق فابحث لك عن فتاة أخرى ، فلن أزوّجها لك .

فقال الشاب : وما هو هذا الشرط ؟

فقال الأب : إذا أغضبت زوجتك بعد أن تتزوج وجاءتني غاضبة وحردانة فلا تأتي لتراضيها إلا بعد حَوْل ، أي بعد عام ، لأني لن أعيدها لك قبل مرور العام .

ووافق الشاب على هذا الشرط ، وتزوج من ابنة ذلك الرجل الشهم ، وعاش مع زوجته فترة من الزمن حياة سعيدة هانئة ، فكانت تعجن وتخبز وتعدّ الطعام ، وتغسل الملابس وتقوم بكل أعمالها المنزلية على أحسن وجه ، ولا تزور أحداً من جيرانها ولا تختلط بأي إمرأة من جاراتها . وتبقى دائماً ملازمة لبيتها لا تخرج منه إلا للضرورة القصوى .

وفي أحد الأيام كان عند أحد أقارب زوجها عرس لواحدٍ من أبنائهم فقالت لزوجها : ما رأيك أن تأخذني معك في هذه المرة . فهؤلاء الناس أقاربك وهم ليسوا غرباء عنا ، وعلينا أن نشاركهم فرحتهم ونقف بجانبهم ، فهذا واجب علينا ولن يكون هناك ما يضرنا إن شاء الله .

فقال لها : أخشى عليك من اجتماع النسوة ، فاجتماعهنَّ لا يأتي منه خير .

فقالت : لا عليك ، فأنا عندي عقل أميّز به ، ولن يستطعن التأثير عليّ .

فذهب الرجل واصطحب امرأته معه وما كادت تصل حتى تناولتها النسوة وجلسن إليها وسألنها عن حياتها وقلن لها : ما لك يا أخت لا تخرجين من بيتك ولا تزورين أحداً من جاراتك ، فماذا تعملين وكيف تقضين أوقاتك .

فقالت : أقوم بأعمالي المنزلية من طهي وغسل وغيره ، ثم انتظر زوجي حتى يعود ، فنأكل سوية ونحن بخير والحمد لله .

فقلن لها : ما أقل عقلك إنك لا تعرفين من أمور الدنيا شيئاً ، ومن أجل ذلك هو يمنعك من الخروج من البيت حتى لا تعرفي الحقيقة وتظلي تخدمين عنده وكأنك خدّامة لديه .

وقلن لها : إننا لا نعمل شيئاً مما ذكرتِه في البيت لأن هذه الأشياء من عمل الرجال ، فالرجل هو الذي يعد الطعام ويغسل الملابس وينظف البيت ، ونحن لا نعمل شيئاً . وعادت المرأة إلى بيتها وهي تظن أنها فهمت سراً غاب عنها وصممت أن تكون كباقي النسوة ولا تعمل شيئاً من أعمال البيت لأنها من واجبات الزوج وليس من واجباتها هي .

وفي اليوم التالي عاد الزوج من عمله فوجد زوجته نائمة ولم تعدّ له طعاماً ولم تقم بأي عمل من أعمال المنزل ، فقال في نفسه ربما تكون مريضة ، فقام وأعدّ طعاماً لنفسه ودعاها وأكلا معاً .

وفي اليوم التالي عاد من عمله ووجدها نائمة كما وجدها بالأمس ، ولم تعد له طعاماً ولا غيره ، وأراد أن يعمل لنفسه مثلما عمل بالأمس ولكنه سألها : ما الذي جرى لك يا امرأة ؟ هل أنت مريضة ، أو ماذا أصابك فلم تعدي لي طعاماً ولم تعملي شيئاً من أعمال المنزل .

فقالت له : لا أنا لست مريضة ، لأن هذه الأشياء يجب أن يقوم بها الرجل وليس أنا ، أوتحسبني مغفلة ، كل النساء لا يعملن شيئاً لأزواجهن ، وأنا أقوم لك بكل هذه الأعمال .

فقال لها : من أخبرك بذلك ؟

فقالت : النسوة أخبرنني بذلك بالأمس ، وأنا سأكون مثلهن ، ولن أعمل شيئاً من أعمال المنزل ، فهذا شيء يخص الرجال فقط .

فقال لها : يا زوجتي ، لقد خدعتك تلك النسوة بفساد رأيهن ، فعودي لرشـدك ، وأرجعي إلى ما كنت عليه .

فقالت : لن يكون ذلك ، فهن لسن بأفضل مني .

فقال لها : ما دام الأمر على ذلك ، فهيا إلحقي بأهلك .

فقامت ووضعت بعض أغراضها ومتاعها في صُرَّة وحملتها على رأسها وعادت إلى بيت أبيها ، وعندما رآها أبوها مقبلة وعلى رأسها صُرَّة الملابس عرف أنها جاءت غاضبةً وحردانة ، فقال لأمها : استقبليها بفتور ولا تبشي في وجهها ولا تريها وجهـاً طيباً .

وبعد أن استراحت قليلاً قال لها أبوها : تعالي اسقي لي المواشي يا ابنتي ، ونظفـي الحظيرة واعملي كذا وكذا حتى أرهقها ، وصار في كل يوم يشغلها طيلة النهار ، واستمر الحال بها على ذلك الشكل فترة من الزمن ، فندمت ولامت نفسها وعرفت أن النساء خدعنها لأنها كانت تعيش سعيدة في بيتها ، وصارت تنظر إلى طريق زوجها عله يأتي ليراضيها ويعيدها إلى بيتها ، ولكن زوجها كان لا يستطيع أن يأتي قبل مرور عام ، فرأت عند والدها ألواناً من العذاب من تعب وإرهاق ومذلة بعد أن كانت سيدة مطاعة في بيتها ، فلامت نفسها وبكت على حظها ولكن دموعها لم تجدِها نفعاً لأن زوجها لن يأتي قبل مرور العام .

وبعد أن انقضى العام جاء زوجـها ليراضيها ، فقـال أبو الفتاة لامرأته : استقبليه بفتور وافرشي له كيساً ليجلس عليه ، واطبخي له طعاماً من العدس ، والعدس طعام يملّه أهل الصحراء لكثرة استعماله وهو في هذه الحالة تحقير وتقليل في واجب الضيف وشأنه ، وبعد أن جلس الرجل واستراح قدموا له طعاماً من العدس ، وكانت زوجته ترى ذلك ، وتأكل نفسها وتصرّ على أسنانها ، وتقول لنفسها أيقدّم له عدساً بعد هذا الغياب الطويل وهو كريم وعزيز في قومه ، إن ذلك احتقار له وازدراء وإهانة به . وعندما حلَّ المساء قال أبو الفتاة لزوجته : افرشي لصهرك كيساً وضعي برذعة الحمار وسادة له .

وفي الليل جاء أبو الفتاة إلى صهره وقال له قم ونم مكاني وكان قد أعد له فراشاً نظيفاً وغطاءً سميكاً ، فقام الرجل ونام مكان صهره ، أما الأب فنام على الكيس وتوسد برذعة الحمار وغطّى رأسه باللحاف .

وبعد ساعة من الوقت جاءت زوجة الرجل تختلس الخطى وهمزت أباها وهي تظنه زوجها فتظاهر بالنوم ، فقالت له قم فقد أعددتُ لك حماماً مطبوخاً لأن ذلك الشيخ النحس عشّاك عدساً ، لأنه لا يعرف قيمتك ومقدارك ، آه منه ما أظلمه ، فقد أراني ألواناً من العذاب في غيابك .

وتظاهر الرجل بالتعب والنوم ولما لم يقم تركت الطعام عنده وهي تظنّه تَعِباً ، أما الشيخ فكان يضحك بينه وبين نفسه .

وفي الصباح قال الرجل لابنته : ارجعي مع زوجك الآن ، وحاولي ألاّ تغضبيه ، أو تخرجي عن طاعته ، وعادت المرأة مع زوجها وهي تشكو له ظلم أبيها لها وكيف أرهقها بكثرة الأعمال التي كانت تقوم بها في كل يوم .

وفي اليوم التالي جاءت النسوة ليهنئنها بالعودة فلاقتهن خارج البيت وقالت : والله لن تدخل واحدة منكن بيتي ، اذهبن فقد أفسدتن عليَّ حياتي ، هيا لا أريد أن أرى واحدة منكن بعد اليوم .

وهكذا عاشت مع زوجها حياة رغدة هانئة بعد أن عرفت مصدر الفساد وتجنبته بطردها تلك النسوة ، بعد أن كدن يخربن بيتها ، ويفسدن عليها حياتها .

التسميات:

الخميس، 22 أغسطس 2013

جدي الخليل

جدي الخليل

يحكى أنّ إبراهيم الخليل عليه السلام عندما قَدِمَ إلى منطقة الخليل ، استقبله أهلها بالاحترام والترحاب واحتفوا به ، ودعاه بعضهم وذبحَ له جدياً وعمل له قِرَى .

وصار الذين عملوا القِرَى كلما احتاجوا شيئاً من الخليل عليه السلام ، يقولون له : نحن الذين ذبحنا لك جدياً ونريد كذا وكذا ، وصار إذا ذهب أحد من معارفهم أو أقاربهم يقولون له نحن من أقارب الذين ذبحوا لك الجدي .

وتكررت القصة مرات ومرات حتى أن الخليل عليه السلام ضجّ من ذلك ، وفي يوم جاءه بعض الأشخاص وعندما سألهم من أين أنتم قالوا له نحن من جيران الذين ذبحوا لك الجدي ، فيقال إن الخليل وضع إصبعه في فمه وتقيأ بشدة فخرج الجدي حياً يجري على أقدامه ، فقال لهم : خذوا جديكم ، واذهبوا في حال سبيلكم .

ومن يومها أصبح من يكرم بشيء ويعود يذكره أو يذكّر به ، يقولون له هذا يشبه جدي الخليل ، والله تعالى أعلم .

التسميات:

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

العشب في حليقات


يُحكى أنه كان لأحد الأشخاص عبدٌ يرعى مع إبله وشائه ، وكان لجارٍ له غير بعيد منه جارية سوداء ، وكانت هذه الجارية تهوى ذلك العبد وتحبه ، وكانت تبعث له بين الحين والآخر شيئاً يأكله ، أو مشروباً يشربه دلالة على حبها له وشغفها به ، وكان العبد يبادلها ذلك الشعور وتلك العاطفة ويتمنى الزواج منها ، ولكنه لا يجرؤ على البوح لسيده بذلك الأمر ، ودام الأمر على ذلك الحال فترة من الزمان رحل خلالها الرجل صاحب العبد بإبله ومواشيه وعبيده إلى مكان آخر يكثر فيه الربيع والكلأ ، وكان ذلك المكان قرب قرية تسمى حُليقات في منطقة الساحل ، وشعرت الجارية بأن العبد الذي تهواه قد ارتحل وابتعد عندها ، فاحتارت في أمرها وفكّرت ماذا عساها تفعل ، فعمدت إلى بعض الطرق لكي تُحَبِّب ذلك المكان الذي ارتحلوا إليه إلى سيّدها عساه يرتحل إليه وكانت تقول له : سمعت يا حَبَّاب(1) أن العشب في حليقات(2) للخِلّة(3) ، أي أن طول العشب في حليقات يصل إلى طرف الساتر الخلفي للخيمة وهو حوالي متر ونصف المتر ، وهي تمني النفس أن يرحل سيّدها إلى ذلك المكان فتتمكن بدورها من رؤية العبد الذي يحبه قلبها ، ولكن سيدها كان يدرك ما ترمي إليه الجارية ، فلم يعر الأمر اهتماماً ، بل ارتحل إلى مكان آخر حيث يكثر العشب والربيع وظلت الجارية تعيش على ذكرى ذلك العبد فترة من الزمان دون أن تتمكن من رؤيته .

_______________________
(1) - حَبَّاب : كلمة تحبُّب يقولها العبد لسيده .
(2) - حُليقات : قرية فلسطينية مهجرة تقع في منطقة التلال المتدرجة في السهل الساحلي – أنظر كتاب " كي لا ننسى " لوليد الخالدي ص 536 .
(3) - الخِلّة : واحدها خِلال وهو سلك معدني معقوف الرأس ، ومحدد من الطرف الآخر يُشبك به الساتر الأمامي والخلفي بالجزء العلوي من بيت الشَّعْر .

التسميات:

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

مناظرة بين رجل وامرأة صالحين تؤدي لهلاك الاتباع

مناظرة بين رجل وامرأة صالحين تؤدي لهلاك الاتباع

يُحكى أن رجلاً صالحاً عُرف بالورع والتقوى ، واشتهر بذلك بين الناس ، وعمت شهرته في الآفاق ، وأصبح له أتباع ومريدون ، وصاروا يتحدثون عن كراماته في مجالسهم المختلفة .

وسمعت به امرأة صالحة أخرى تعيش في بلدٍ آخر ، ولها مكانتها وشهرتها ، وسمعت ما يتناقله الناس عن ورعه وكراماته فقررت أن تناظره وتغلبه حتى تصبح هي صاحبة السيادة والكلمة في تلك المنطقـة ، فبعثت إليه وأخبرته عن رغبتها في مناظرته واتفق الاثنان على الاجتماع في مكانٍ في القرية في يومٍ محدّد اتفقا عليه ، وكانت تلك المرأة بارعة الحسن والجمال ، فلبست أفخر ما لديها من الملابس وذهبت لتلتقي به في ذلك المكان ، ولتجتمع بذلك الرجل الصالح وتناظره في المسائل التي اتفقا عليها .

وجلس الرجل الصالح وانتظرها حتى جاءت وألقت التحية وجلست ، ثم بدأت تطرح عليه الأسئلة وهو مطرق لم ينظر إليها ولم يرفع بصره نحوها ، وكان يجيب على كلّ سؤال تطرحه عليه إجابة شافية لا تترك لها مجالاً للزيادة .

وبعد أسئلة عديدة أصابها الإعياء وأدركت أن منافسها ليس سهلاً ، فكشفت عن وجهها لتغريه وتفتنه بجمالها ، ولكنه ظل مطرقاً لا ينظر إليها ، بل ظل يجيب على أسئلتها وهو على هدوئه المعتاد ، فيئست وأعيتها الحيلة فقالت غاضبة : كُلْـهُ يا قمل .

فانتشر القمل على ملابسه وجسده ، حتى كاد يغطيه بالكامل .

فقال : نَقِّـهِ يا نمل .

فأخذت كلّ نملة قملةً وسارت بها .

وهكذا انتصر ذلك الرجل الصالح على تلك المرأة وغلبها وحافظ على مركزه ونفوذه ،وعادت هي إلى منطقتها دون أن تحقق ما كانت تطمح إليه ، ويقول البعض إن العداء ما زال قائماً بين أتباع هذين الصالحين حتى يومنا هذا ، والله تعالى أعلم .

التسميات:

الخميس، 15 أغسطس 2013

الذي حصد الزيتون

 الذي حصد الزيتون

يُحكى أن أحد الأتقياء كان متصوفاً منقطعاً إلى العبادة , وحدث أن جُذِبَ ذات يوم , وكان كلّ مَنْ يُجْذب من هؤلاء الصالحين يهيم على وجهه , ويترك أمور الدنيا ، ولا يهتم لا بملبسه ولا بمظهره ، وهام الرجل على وجهه وطال شعرُ لحيته , وبَلِيَتْ ثيابُه وأصبحت رثّة مهلهلة , وكان يبيت في أي مكان يدركه فيه المساء .

وذات يوم أدركه المساء في قرية بعيدة نائية , وكانت حالته تدل على الفقر والحاجة , ناهيك عن شكله ومظهره الخارجي ، فجاء إلى أحد البيوت ، ففرشَ له صاحب البيت , وقدم له عشاءً مما تيسّر من طعام البيت ، وأخذ معه في الحديث وسأله قائلاً : لماذا لا تعمل يا أخي بدل أن تهيم على وجهك لا تملك شيئاً من أمور الدنيا ؟.

فقال : وماذا أعمل , وأنا لا أُحسن شيئاً من الأعمال .

فقال صاحب البيت : ألا تحصد ؟!

فقال الرجل : بلى , ولي معرفة بالحصـاد , وسبـق أن حصـدت كثيراً .

فقال له : ما رأيك إذن أن تحصد عندي قطعةً من الأرض , وسأعطيك عليها أجراً يرضيك , ويسدّ حاجتك ويغنيك عمَّا أنت فيه من فقر .

وافق الرجل على هذا العرض دون أن يطلب أجراً ، أو حتى دون أن يسأل عن قيمة ما سيُدفع له عن عمله وأتعابه.

فقال له صاحب البيت : إذن تبدأ عندي في الصباح الباكر إن شاء الله ، وأضاف : هيا لأريك الحقل فهو غير بعيد من هنا ، فذهب معه وشاهد الحقل ، وكان عبارة عن دونمات قليلة تحيطها أشجار من الزيتون من جهاتها الأربع ، وعمر هذه الأشجار لا يتعدّى الثلاث أو الأربع سنوات .

وأعطى صاحب البيت منجلاً لذلك الرجل حتى يسري عندما يستيقظ في الصباح الباكر ليحصد قبل أن يطير الندى فتتكسر عيدان الزرع ويصعب حصدها .

ونام الرجل ونام صاحب البيت , وفي منتصف الليل استيقظ الرجل وظن الوقت فجراً فأخذ منجله وسار متوجهاً نحو الحقل فأراد أن يحصد وقبل أن يبدأ أتتـه حالة الجذب التي تصيبه دائماً ، فأصبح لا يدري عن نفسه . فقال : يا قوة الله , ويا سرَّ جدودي وأخذ يحصد دون أن يدري ما يفعل حتى حصد جميع الحقل . ثم عاد يحمل منجله ونام في مكانه مرهقاً مما أصابه من غيبوبة الجذب ، ولم يستيقظ إلا بعد أن اعتلت الشمس وارتفعـت كثيراً , وكاد الندى يطيـر .

فقال صاحب البيت : إن هذا الرجل لا يصلح للعمل , فأتى إليه وأيقظه وهو يقول له : قم يا رجل , اعتلت الشمس وأنت ما زلت نائماً , .فمتى ستحصد إذن !

فقال الرجل الصالح : ابحث لك عن أناس ليُغَمِّرُوا(1) لك زرعك ، واذهب إلى حقلك فقد حصدته كلّه .

فقال صاحب البيت : حقاً إنك مجنون أيها الرجل ، كيف حصدته وأنت لم تقم من مكانك ، وكيف تستطيع حصده كله في يوم واحد .

فقال له : اذهب كما قلت لك ولِمَّ زرعك فقد حصدته كله كما ذكرتُ لك .

فذهب الرجل غير مصدّقٍ ما سمعت أذناه ، وعندما وصل إلى الحقل صرخ من هول ما شاهد ، وأخذ يلطم على رأسه ويمزق شعره بيديه ، ويصرخ فقد رأى أن الزرع قد حُصد كله بالفعل ، وأن أشجار الزيتون قد حُصدت هي أيضاً ولم تبقَ منها شجرة واحدة .

فعاد إلى بيته باكياً ، وقال للرجل : كيف فعلت ذلك ؟

فقال له : لا أدري .

فأدرك صاحب البيت عندها أن هذا الرجل من عباد الله الصالحين , فأخذ يقبّل يديه ويستسمحه إن كان قد اخطأ في حقّه ويسأله معاتباً كيف فعلت ذلك ، ألم تشعر بأشجار الزيتون ؟!.

قال : لم أشعر بأي شيء سوى أني سمعت صوت المنجل وقد قطع شيئاً صلباً في مكان كذا من الحقل .

فذهبوا ليفحصوا هذا الشيء فوجدوه عظم جمل مغروز في الأرض وقد قصه المنجل نصفين , فتعجبوا لذلك .

وأكرم صاحب البيت ضيفه ، وجاءت عائلته لتصافحه وتتبرك من كراماته , ثم ودعهم وسار في حال سبيله بعد أن وعدهم أن يزورهم في كل مرة يمر فيها من قريتهم .

_________________
(1) – الغِمْر : هو الكوم الصغير من القشّ المحصود ، وغَمَّرَ يُغَمِّرُ : أي جمع هذه الأكوام في مكانٍ واحد استعداداً لنقلها .

التسميات:

الاثنين، 8 يوليو 2013

القادر يُكذِّبُ عبدَ القادر

طفل جنين - ذكر او انثى - القادر يُكذِّبُ عبدَ القادر

يُحكى أنه كان هناك رجل صالح عرف بكراماته العديدة وبصدقه وشدة ورعه ودينه ، وكان هذا الرجل يُدعى عبد القادر ، وفي أحد الأيام جاءته امرأة حامل وطلبت منه أن يخبرها عن نوع الجنين الذي في بطنها وهل هو ذكر أم أنثى ، ووضع الرجل الصالح يده على بطنها من فوق ثيابها ، بعد أن سمّى باسم الله الرحمن الرحيم ومَرَّر يده عدة مرات وكأنه يتحسس نوع الجنين وحركاته ، وقال للمرأة إن الذي في بطنك ولد ذَكَر وقد لمست ذكورته بيدي ، وعادت المرأة إلى بيتها فرحة مستبشرة مسرورة الخاطر وأخبرت زوجها بذلك ، وبعد انتهاء فترة الحمل وضعت المرأة مولودة أنثى ، فأسقط في يدها وعادت بعد فترة لتعاتب الرجل الصالح على عدم تدقيقه معها في ما قاله لها ، فقال لها الرجل الصالح : أنا لمست ذكورة الجنين الذي في بطنك بيدي ، ولكن القادر كذّب عبدَ القادر ، فهو سبحانه قادر على كل شيء ، ولا يعجزه تغيير نوع جنينك ، وليكن اتكالك على الله وليس على أحد من خلقه وعباده .

فخشعت المرأة لله وعادت إلى بيتها بعد أن غمرتها السكينة والهدوء .

التسميات:

الأحد، 7 يوليو 2013

الفتاة الأصيلة

الفتاة الأصيلة - مغازل

يُحْكى أنَّ عائلةً فقيرة كانت تعمل عند إحدى العائلات الغنية في مواسم الزرع والحصاد ، وكانت قد نصبت خيمتها بالقرب من منزل العائلة الغنية التي يعملون عندها ، وكان للعائلة الفقيرة ابنة جميلة تساعد أهلها أحياناً في عملهم عند تلك العائلة ، وقد رأى تلك الفتاة ابنٌ وسيمٌ للعائلة الغنية وأراد أن يعبث بها ، فأخذ يتودَّد إليها، ويحاول التقرب منها بمعسول الكلام ، ولكنها أخبرته بأن ذلك لن يكون ولن يتمّ إلا بالزواج ، وقالت له : إذا أردتني بصحيح فاطلب يدي واخطبني من أهلي .

وحاول الفتى مرّات ومرّات ولكن محاولاته كلّها باءت بالفشل ، ولم يتغير موقف الفتاة منه ، فيئس منها وقرر أن يجرح كبرياءها ويهدّ من معنوياتها ، خاصة بعد أن تأكد له أنه لن يستطيع إغراءها لا بالمال ولا بالكلام ، ورأى أن محاولاته لن تجدي معها نفعاً ، فنظر إليها بإزدراء نظرة فيها علوّ وكبرياء وأجابها ببيت من الشعر العاميّ يقول فيه :

بنت الرّدِي(1) لو زَهَتْ بالعين ما يسند(2) الراس طِرْيَاهَا(3)

وأنا اللي رَمَاني عليها الزّين(4) شِلْـوِة(5) ليالـي وأخَلِّيهَـا

وهو يقصد أنها ليست ذات أصل حتى يتزوجها ، ولكن ما جذبه إليها هو الجمال وحده وليس أي شيءٍ غيره ، وبكت الفتاة بدموع حارة سخينة فليس ذنبها أنها ولدت لعائلة فقيرة ، وليس الفقر في حدّ ذاته عيباً ، ولكن فرحتها كانت أكبر من كل تصوّر لأنها استطاعت ردع ذلك الشاب الطائش ، وحافظت بذلك على شرفها وعفافها وشرف عائلتها الفقيرة المتواضعة . وبذلك وضعت حدَّاً لمحاولات ذلك الفتى الطائش الذي ذهب في حال سبيله ولم يعد يعاكسها مرّة أخرى .


(1) - الردي : الرديء من الناس .
(2) - يسند الرأس : أي يرفع الرأس
(3) - طرياها : أي ذكرها ، وأطرى الشيء أي ذكره .
(4) - الزين :الجمال ، يقال امرأة مزيونة أي جميلة .
(5) - شلوة ليالي : أي عدة ليالي .

التسميات: