Ads 468x60px

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

موعظة كالرصاصة في القلب

الموعظه الحسنة - موعظة كالرصاصة في القلب

المخلص لولاية أهل بيت الرسول (ص) ((الميرزا أبو القاسم العطار)) نقل عن العالم الكبير ((الشيخ عبد النبي النوري)) الذي كان من تلامذة الحكيم الإلهي ((الملا هادي السبزواري)) قوله: في أحد الأيام من سنة الأخيرة من عمر ((الملا السبزواري)) أتى شخص إلى مجلسه وأخبر انه وجد شخصاً في المقبرة نصف جسده في القبر والنصف الآخر خارج القبر وهو ينظر إلى السماء دائماً ومهما ازعجه الأطفال لا يهتم لهم.

فقال ((الملا)) أريد ان التقيه بنفسي، وعندما رآه تعجب كثيراً واقترب منه، فلم يعتن ذاك به، فقال له الملا: من أنت وماذا تفعل، فإني لا أراك مجنوناً، وتصرفك هذا غير عقلائي.

فأجابه ذلك الشخص قائلاً: اني شخص جاهل لا أعلم شيئاً، استيقنت من شيئين وصدقتهما:

الأول: استيقنت من أن خالقي وخالق هذا العالم ذو شأن عظيم ولا يجوز التقصير في معرفته والعبودية له.

الثاني: استيقنت من اني سوف لن أبقى في هذا العالم وسأذهب إلى عالم آخر، ولا أدري ما هو حالي في ذلك العالم. فيا حضرة الملا ها قد أصبحت بائساً ومضطرباً لما علمت حتى اعتبرني الناس مجنوناً، وانت تعتبر نفسك عالم المسلمين وعندك كل هذا العلم فلماذا لا تتألم ولا تخاف ولا تفكر؟ هذه الموعظة كانت بمثابة رصاصة استقرت في قلب الملا فعاد بعد أن صدم واضطرب وقضى ما بقي من عمره في التفكير الدائم في سفر إلى الآخرة وتحصيل زاد هذا الطريق اخطر وبقي على ذلك حتى غادر الدنيا.

***

أي شخص وفي أية منزلة كان فهو بحاجة لسماع الموعظة والنصيحة، فإنه إن كان عالماً بما يسمع فتكون تلك الموعظة تذكيراً له لأن الإنسان ينسى وبحاجة إلى مذكر ومنبّه دائم، وإن كان السامع جاهلاً بما يسمع فإن الموعظة والعبرة تمثل له طلب علم وكسب معرفة.

ومن هنا جعل القرآن الكريم طلب الخير للآخرين واسداء النصيحة لهم واجباً على كل مسلم وقال ﴿وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾[1]، وإذا كان اسداء النصح للآخرين واجباً وقد أمر الله به فإن استماع النصائح وقبولها واجب كذلك، حيث أن الأمر بالوعظ للاستماع والتقبل والعمل به لذلك نجد أن القرآن الكريم في مواضع كثرة قال ﴿فهل من مدّكر﴾ أي انه هل من يستمع النصايح والمواعظ الإلهية ويقبلها فيجريها.

واعلم أنَّ للموعظة أثراً حتمياً على المتلقي وإن كان أثرها في بعض الأحيان مؤقتاً ومحدوداً، ويجب نبذ التعالي عن الحضور في مجالس الوعظ والإرشاد والاستماع إلى الموعظة والنصيحة من أي شخص كانت وفي أية منزلة كانت.

نقل عن مسلمة انه قال: ذهبت إلى دار عمر بن عبد العزيز مصبحاً وصلّيت الصبح فيه وحيداً، وبعد الفراغ منها أتت أمة صغيرة ومعها قبضة من التمر، حملت قدراً منه وقالت: يا مسلمة لو أكل رجل هذه التمرات وشرب بعدها الماء فهل يكفيه ذلك؟

قلت: لا أدري.

فأخذت قسماً آخر منه وقالت وهذا؟

قلت: نعم هذا يكفيه، وحتى أقل منه، ولو أكل هذا وبقي حتى الليل لا خوف عليه ان لم يأكل أي طعام غيره.

قالت: إذن فلم يذهب الإنسان بنفسه إلى النار؟

أي انه إذا كانت قوت يومه فلم يحر في طلب مال الدنيا ولا يمتنع عن المحرمات الإلهية ويلقي بنفسه في جهنم؟

قال مسلمة: لم تؤثّر فيَّ موعظة كهذه أبداً.

المقصود هو أن الإنسان لا يعلم أي الكلام والنصح سيؤثر فيه، فمسلمة كان قد سمع المواعظ الكثيرة لكن هذه أخذت منه أكثر من غيرها.

وهناك قصة أُخرىٰ مشهورة ونقلها بعض المفسّرين، وهي أنّ ((فضيل بن العياض)) قضى مدة من عمره في الطغيان والعصيان، وفي احدىٰ الليالي كان يتبع قافلة ليسطو عليها، وبينما هو كذلك اذ يترامى إلى مسامعه صوت قارىء القرآن وهو يقول ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله﴾[2] فأخذت الآية في قلبه مأخذاً وأحيته وايقظته فقال: نعم آن ذلك. وعاد عن طريقه وتاب توبة كاملة وادىٰ الحقوق التي عليه وأرضى كل من كان له عليه حق إلى أن أصبح من الصالحين.

وكذلك نقل أنّ شخصاً من الاثرياء مرّ عليه واعظ وهو يقول عجبت من ضعيف يعصي قوياً.

فأثرت فيه هذه الموعظة وأقلع من ارتكاب المعاصي وتوجه نحو الخير حتى أصبح من صلحاء قومه. ولعله سمع المواعظ والحكم الكثيرة لكن الله سبحانه جعل نجاته بشكل نهائي ويقظته في هذه الكلمة.

وقيل لعبدالله بن مبارك إلى متى تمضي في طلب العلم والحديث؟ قال: لا أدري لعلي لم أسمع حتى الآن الكلام الذي فيه صلاح أمري.

ولذلك كان العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري يدعو وهو على المنبر ويقول: اللهم اجعل مجلسنا هذا مجلس موعظة، ويقول: مجلس الموعظة هو المجلس الذي إذا حضره أو سمعه أحد من أهل المعصية ندم وترك الذنوب، وإذا حضره أحد من أهل الطاعة ازداد شوقه لطاعة الله وازداد سعيه نحو الاخلاص.

وبشكل عام فعلى العالم وغير العالم الحضور في مجالس الوعظ بهدف الانتصاح والاتعاظ والانتباه والعمل بما سمع، فيحضر الجاهل ليتعلم ويحضر العالم ليتذكر. والأخبار الواردة في فضيلة مجلس الموعظة كثيرة ويكفي لمعرفة أهمية الموعظة أن نعلم انها غذاء للروح وحياة للقلب كما قال أمير المؤمنين (ع) لولده الحسن (ع) ((أحيي قلبك بالموعظة)). وهي رادةّ للنفس والشيطان ومنجية من الشر ودافعة للوساوس والاضطرابات وموجدة للأمن وراحة البال ﴿ءالا بذكر الله تطمئن القلوب﴾[3]. وكم من شخص دفعه ضغط الوسواس والتخيلات الشيطانية الى الانتحار، ثم استبدلوا ذلك بالطمأنينة وراحة البال اثر سماعهم لموعظة.

ومن لم يتيسر له الحضور في مجالس الوعظ ولقاء من يعظه فعليه الرجوع إلى المواعظ المدونه للاستفادة منها والاتعاظ بها وعلى رأسها القرآن المجيد فيقرأه بدقة وتدبر ويطلع على تفسيره، وليقرأ نهج البلاغة وشرح الخطب البليغة لأمير المؤمنين (ع) التي يشرح ويبين فيها معاني آيات القرآن المجيد، وليقرأ المجلد السابع عشر من كتاب البحار لما فيه من مواعظ الرسول (ص) وأئمة الهدى من أهل بيته (ع)، ثم فليقرأ الكتب الاخلاقية ((كمعراج السعادة)) للنراقي و((عني الحياة)) للمجلسي وسائر الكتب التي امتلأت بمواعظ كبار علماء الدين.


------------------------------
-[1] سورة العصر، الآية: 3
[2]- سورة الحديد، الآية: 16
[3]- سورة الرعد، الأية: 28