Ads 468x60px

الاثنين، 5 أغسطس 2013

الحلقة السابعة والعشرون - تعالوا لنضرع إلى الله المفرّج

تعالوا لنضرع إلى الله المفرّج

قلت: « ألم تسمعوا أنّه يهيم على وجهه في البراري والصحارى، دائم البكاء والنواح والألم والعذاب، لا لسنة واحدة ولا لعشر من السنين، بل لأكثر من ألف سنة ؟ ».
قالوا: « بلى، ولكن لا نستطيع أن نفعل شيئاً ».
قلت: « ألا تستطيعون أن تهجروا هذا العيش والتمتّع والسرور ؟ الموت لعاشق لا يتأسّى بحبيبه! أيكون حبيبكم في ذلك العذاب وتحت ضغط ذاك الانتظار الأليم، وتتكئون أنتم هنا على الوسائد وتنعمون بالرفاه والأفراح والمسرّات، ثمّ تدّعون أنّكم من عشّاقه وتراب أعتابه! أحسن المقال ما صدقته الفعال! ».
فانقلب حال تلك الآلاف المحتشدة، وانصرفوا. ثمّ رأيت الخيام قد قُلعت والأثاث قد تبعثر، وخرج الناس في ملابس قديمة، حاسري الرؤوس، حفاة الأقدام، متّجهين نحوي.
قلت: « ما أعظم غيرتكم! فلنتوّجه نحو البيت المعمور وندعو: أمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْءَ (1) بصوت عال يرفع حرارة الأبدان والنفوس، فالمقصود بالمضطرّ هو نفسه صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ».
وانتشر الخبر شيئاً فشيئاً على لسان الهادي وحبيب بن مظاهر في وادي السلام، وظهرت بوادر الهياج والثورة، وأخذ الناس يُلقون كلمات حماسية حول غربة إمام الزمان وقلّة أنصاره وشدّة اضطراره وطول انتظاره، وبرزت فيهم مشاعر حبّ الانتقام والأخذ بالثأر. وفي وادي السلام نفسه تجمّعت الجماعات وصعد الخطباء المنابر يلقون الخطب البليغة بهذا الشأن.
وعلى أثر انتقال الأخبار بوساطة الوصائف التي ذهبت من هنا عن انفعالات الأهالي وانقلاب أحوالها، والتي كانت في نظر المبادئ العالية والأرواح المكرمة مشهودة كالاستعراض السينمائي. جاءتنا الأخبار أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب والزهراء أُمّ الأئمّة مع عشرة من أولادها المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، قد اجتمعوا وعرضوا شفاعتهم، إلاّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله اعتذر عن ذلك قائلاً: إنّ التمييز بين الخبيث والطيب والكافر والمؤمن ما يزال صعباً:
... لَوْ تَزيّلُوا لَعَذَّبْنا الَّذينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً ألِيمَاً (2)، هذه الآية هي نفسها سبب الانتظار.
فترتفع الصوات بالدعاء:
ففرّج فرجاً عاجلاً كلمح البصر، أو هو أقرب من ذلك، يا محمد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، انصراني فإنّكما ناصراي، واكفياني فإنّكما كافياي ». لقد كررنا ذلك وكررناه حتّى حرّكنا هذين القائدين، وكانت الزهراء عليها السّلام تنفخ في نار ذلك، كذلك كانت المقامات العليا ترفع أيديها بالدعاء:
« اللهمّ عجّل فرجنا بظهور قائمنا، وانتقم من أعدائنا بنصرة قائمنا، وأظهر فيك الخالص حتّى يعبدوك في البلاد ولا يشركوا بك شيئاً ».

الوعد بالفرج
كان لدينا لوح يظهر عليه كل ما يُقال في الملأ الأعلى، فكنّا نطّلع على ما يجري هناك. وجاء النداء من الله تعالى: « يا محمّد، قد أجبت دعوتك، وسأفي بذاك من قريب ».
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لقد كنّا راضين برضاك. إلاّ أن أحد عبيدك قد ورد ضيفاً على مائدتك، ولكنّه لا يمدّ يده إلى طعام مثل سائر ضيوفك ما لم تقض لهم حاجتهم، وما حاجتهم سوى ظهور المهديّ المنتظر. يقولون: إنّ محبوبنا صاحب الزمان يحيا في هموم آلام لطول الانتظار وكثرة المصائب، فكيف يهنأ لنا طعام وشراب، ونحن نعلم أنّه لا يكفّ عن البكاء والنواح ؟ كيف يجوز لنا أن نلهو في ضحك وسرور ؟ الموت أخلق بمحبّ لا يتأسّى بحبيبه! لقد كان اعتقاد هؤلاء في الدنيا، أنّهم إذا أرادوا قضاء حاجة كبيرة من الكرماء، أن يجلسوا على مائدة ذلك الكريم ولا يمدّوا أيديهم إلى الطعام حتّى يجاب طلبهم بقضاء حاجتهم مهما صعب ذلك على المضيف، فكيف بك وأنت أكرم الأكرمين، وإنّك على كلّ شيء قدير، وموضع حاجات الطالبين، وغياث المضطرين، لا رادّ لحكمك، ولا مانع من أمرك! ».
كنا مثل الإبل الصوادي التي تتزاحم على مورد الماء، نحوم حول اللوح لنرى ما يستجدّ من حدث، فلاحظنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يميل إلى ما نميل إليه، وأنّه يمسك بوسط الحبل، فقويَ رجاؤنا بأنّنا سرعان ما نجد الشاهد المقصود بين أحضاننا، فبقينا حول اللوح في أمواج متلاطمة وتزاحم وجذب ودفع بأعصاب متوتّرة ووجوه محمرّة ننتظر جواب الله سبحانه وتعالى لنبيّه، وكنّا واثقين من أنّ الجواب سيكون بالإيجاب، لأنّ اتجاه رغبة النبيّ صلّى الله عليه وآله كان معلوماً عند الله طبعاً، كما أنّ دعاء النبيّ كان لابدّ أن يثير قدرة الله وكرمه، وما كان يمكن أن يكون الجواب سوى قضاء الحاجة. ولكن الجواب تأخّر قليلاً، وكأن هناك تردّداً في الأمر كتردّده في قبض روح عبده المؤمن (3)، فإذا أجاب بـ « لا » فهو يكره مساءته، وإذا أجاب بـ « نعم » فقد لا تقتضي سلسلة التقادير ذلك بهذه السرعة.

الحلقة السادسة والعشرون - حبيب بن مظاهر على الهاتف

___________________
1ـ النمل / 62.
2ـ الفتح / 25. يروي ابن بابويه في كتاب (كمال الدين) في تفسير هذه الآية: أنّ إبراهيم الكرخي سأل الإمام الصادق عليه السّلام : لماذا لم يَقتل الإمام عليّ عليه السّلام ـ وهو القوي الشجاع ـ جميعَ ظالميه وغاصبيه لينتزع منهم حقوقه ؟
فأجابه الإمام عليه السّلام: « بسبب مفاد هذه الآية » أي من أجل المؤمنين الذين كانوا سيُولدون من أصلاب أُولئك الكفار، فهو لم يقتلهم لكي تولد ذرياتهم ويتميزون. وإن قائمنا أيضاً لا يظهر حتّى يولد أبناء صالحون ومؤمنون من أصلاب الكفّار والأشرار. فبعد ظهور الإمام لا يبقى غير الدين الحقّ والكفّار: إمّا أن يسلموا، وإمّا أن يُقتَلوا حتّى يتوحّد صلاح الدنيا.
3ـ بديهي أنّ تردّد الله في قبض روح المؤمن ليس مثل تردّد عبيده عندما يقولون: كلاّ، نعم، لا ندري. بل هو كناية عن محبّة الله وشفقته تجاه عبيده المؤمنين الصالحين.