Ads 468x60px

الخميس، 5 سبتمبر 2013

عقالك ظَلّ


كان الناس يعتقدون بأن كثيراً من الأماكن المهجورة في الصحراء ، أو بعض الأشجار التي تنبت على جوانب الطرق تكون مسكونة بالجنّ الذي يخرج على الناس ، أو على كلّ من يسير لوحده في ساعات الليل أو المساء أو يمرّ بالقرب من تلك الأماكن في أوقات الظلام ، وكانوا يتجنبون الاقتراب من هذه المواقع في ساعات الليل ، وكذلك يتجنب الواحدُ منهم السير منفرداً في هذا الخلاء .

فكان كلّ من يمر من هناك بالصدفة دون أن يعرف عن قصة هذه المواقع يخرج عليه ساكنُ ذلك المكان من الجنّ ويفزعه ، أو يتصوّر له في هيئاتٍ شتى ثم يفزعه في نهاية المطاف ، وكثيراً ما كان بعض هؤلاء الذين يتعرضون لمثل هذه الحوادث ما يصابون بالجنون ، وحتى أن بعضهم قد يموت من شدة الفزع .

والحكايات حول هذا الموضوع كثيرة ومتعددة ، وتأخذ أشكـالاً مختلفة ، وأحداثها وأبطالها تختلف من بلد لآخر ، وقد يكون في هذه الحكاية ما يوضِّح الصورة ، حول الموضوع الذي نحن بصدده .

يحكى أن رجلاً فقيراً ذهب ليشتري له جدياً صغيراً من سوق غزة قبل عيد الأضحى بفترة حتى يكون سعره رخيصاً ويربيه في بيته ويطعمه حتى إذا ما جاء العيد يكون الجدي سميناً فيذبحه أضحية لأولاده ، وكان من عادة الناس أن يسيروا في ساعات الليل حتى يدركوا السوق مع بدايته في ساعات الصباح الباكر .

وفي الطريق وفي ساعات الظلام الحالك وبينما كان الرجل يسير لوحده كانت هناك شجرة سِدْرٍ كبيرة منفردة على جانب الطريق ، وعندما وصل إليها الرجل وجد جدياً صغيراً يرتعد من البرد ، فقال الرجل في نفسه : يبدو أن هذا الجدي قد ضلّ من قطيع مَـرَّ من هنا في ساعات المساء ، وقال سبحان الله الذي وفَّر عليّ جهدي ومالي ويَسَّر لي بهذا الجدي الهزيل ، وسأعود به إلى عيالي وأطعمه وأعلفه وأسقيه حتى يسمن ، وما أن يحين وقت العيد إلا ويكون جدياً كبيراً فأذبحه أضحية لأولادي .

وحمل الرجل ذلك الجدي على رقبته ثم عاد أدراجه ، وصار يفكّر في هذا الحظ الطيّب وفي تربية الجدي وفرحة الأولاد به ، وسها عن نفسه أثناء تفكيره ، ولكنه أخذ يشعر بأن الجدي الذي يحمله أصبح ثقيلاً ، فاستغرب ذلك ، وأخذ الجدي يكبر ويثقل فنظر إليه الرجل وإذا به قد أصبح تيساً كبيراً ، وإذا برجليه قد طالت أمامه حتى كادت تصل إلى الأرض .

فأدرك الرجل بأن الجدي الذي يحمله ما هو إلا ذلك الجنيّ المعهود الذي سمع عنه والذي يخرج على كلّ من يسير لوحده في ساعات المساء في هذه الطريق الموحشة ، وأدرك أيضاً أنه قد وقع في حبائله فكيف يكون الخلاص منه .

فتململ الرجل واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم رمى الجدي بقوة من على رقبته ، فوقع على الأرض ، وهرب هو بكلّ قواه لا يلوي على شيء ، ووقع منديل الرجل وعقاله من على رأسه فناداه الجدي من خلفه قائلاً : تمهل يا هذا ، فعقالك قد وقع .. تمهل .. عقالك ظلّ .. عقالك ظلّ ..

ولكن الرجل لم يلتفت وراءه ، بل ظلّ يجري حتى ابتعد عن ذلك المكان ، وهو لا يصدق بالنجاة ..

ثم نظر خلفه فلم يجد الجدي قد تبعه ، فتنفس الصعداء وحمد الله ، بعد أن فقد الأمل بالنجاة من أيدي ذلك الشيطان .