يحكى أنَّ امرأة شابة حديثة عهدٍ بالزواج ، كانت لديها خيمة كالمطبخ تخبز فيها وتطهو طعامها، وكانت كلما دخلت هذه الخيمة ترى حرذوناً يقف على عمودٍ في زاوية من زوايا الخيمة وهو ينظر إليها باستمرار .
فأوجست المرأة خيفةً من هذا الحرذون ، وأصبحت تخشى من دخول الخيمة ، وشَكَتْ إلى زوجها من هذا الأمر ، وأخبرته بقصة ذلك الحرذون الذي ينظر إليها وأعربت عن قلقها وخوفها منه .
ولكن زوجها سخر منها ، ومن قلة عقلها وسخافة أقوالها ، وقال لها أتخشين من حرذون ؟!، وماذا يمكن أن يفعله بك حرذون مسكين كهذا ؟ . ولكنها لم ترضَ بدخول الخيمة إلا إذا رافقها زوجها حتى يشاهد بنفسه على الأقل هذا الحرذون الذي يشكّل مصدر خوف وإزعاج لها .
وانصاع الزوج لأمر زوجته ، ودخل معها الخيمة فأرته الحرذون الذي ينظر إليها ، يقف في زاوية من زوايا البيت ، فقال لها زوجها ساخراً : أتخشين من هذا الحرذون ؟ وقهقه ضاحكاً وقال : إذن خُذْهَا يا حرذون ؟.
وما أعظم دهشة الرجل ، وما أشد خيبته ، عندما وجد أن زوجته قد اختفت بالفعل ، واختفى معها ذلك الحرذون أيضاً .
اختفت زوجته ، ولم يعد يجد لها أثراً وكأن الأرض ابتلعتها ، فجُنَّ جنون الرجل ، وأدرك أن امرأته كانت على حقّ ، وأن مخاوفها كانت في مكانها ، وأن ذلك الحرذون لم يكن حرذوناً حقيقياً بل كان جِنِّياً في شكل حرذون ، ولامَ نفسه لأنه سخر من زوجته ، وفرّط فيها بإهماله وسخريته منها .
وأخذ الرجل يندب حظه ، ويبكي على زوجته ، ويبحث عن طريقة لإرجاعها إلى بيتها ، فأرشده بعض أقاربه وأصدقائه ، ودلّوه على ساحرٍ كبير ، له باع طويلة في حلّ مثل هذا الأمور ، وقالوا إن كثيراً من الناس قد جرَّبوا علاجه ومدحوه وشكروا صنيعه .
توجه الرجل وبعض أشخاص من أهله إلى ذلك الساحر وأخبروه بالقصة وأحضروه معهم ليشاهد مكان الحادث ، فضرب المندل وأمر بإحضار الحرذون الذي خطف المرأة ، وعندما حضر أمره بإرجاعها إلى مكانها وإلا أحرقه ، فرفض الحرذون أن يطلق سراحها مدعياً أنّ زوجها هو الذي قال له أن يأخذها ، فأخبره الساحر بأن زوجها لم يكن يدري بأن ذلك الحرذون هو مارد من الجن ، ولذلك عليه أن يطلق سراحها ، ولكن الحرذون رفض أيضاً هذا الطلب وأصرّ على إبقائها معه .
فأمر الساحر بإحضار ملك الجنّ وقرأ من العزائم التي يعرفها وأطلق البخور في المكان ، فحضر الملك فأمره بإجبار ذلك الحرذون على إطلاق سراح المرأه وإلا أحرقه بعزائمه وعهوداته التي بينهم ، غير أن الحرذون أصرّ على عناده ، ولم ينصع لأمر الملك أيضاً ، فأمر الملك عندها بإعدامه شنقاً ، فرأى الذي يشاهد المندل وقد أعدموا ذلك الجنيّ وعلقوه على شجرة ، فأغلق الساحر حينها كتبه وصفّـق بيديه ، وإذا بالمرأة تظهر أمامهم سليمة معافاة ، وإذا بالحرذون يبدو معلقاً من رقبته ومشنوقاً بخيط على العمود الذي كان يقف عليه في زاوية البيت .
وهكذا عادت المرأة إلى زوجها بعد أن كاد يقطع الأمل في عودتها سالمةً إليه .