أثناء مجاورتي (المؤلف) لمرقد أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف وأثناء شهر محرم الحرام عام 1358 هـ أصدرت حكومة العراق آنذاك آمراً بمنع جميع مراسم العزاء في عاشوراء من مسيرات ولطم وندب وما إلى ذلك، وفي يوم عاشوراء قامت القوات الحكومية باقفال أبواب مقام أمير المؤمنين (ع) وكل الأبواب المؤدية إليه لمنع إقامة المراسم التي تقام فيه سنوياً بهذه المناسبة الجليلة. وكان آخر باب أقدموا على غلقه هو الباب المواجه للقبلة وقبل أن يغلق باحكام دخل النادبون من الردهة التي لم تغلق بعد على شكل هجوم، ولما وصلوا إلى الأبواب الداخلية وجدوها مغلقة، فقاموا بإحياء العزاء واللطم والندب في الإيوان بين البابين، وبينما هم كذلك إذ دخل عليهم جمع من الشرطة ومعهم رئيسهم ودخل الرئيس بحذائه العسكري إلى الإيوان وشرع بضرب المحتفلين وأمر باعتقالهم، فهاجمه المحتفلون ورفعوه ورموه في صحن المقام وقد أثخن بالجراح ولم يستطع الحراك. ولما رأوا انه من الممكن أن تشن عليهم القوات الحكومية هجوماً انتقامياً وتمنعهم من إقامة العزاء، فالتجأوا بخضوع وتوسل إلى باب الحرم المغلق وشرعوا بالندب صارخين ((يا علي افتح الباب فإنا المحتفون بعزاء ولدك الحسين)).
وفي لحظة واحدة فتحت جميع الأبواب دفعة واحدة، وقد نقل لي بعض الموثوقين الذين شاهدوا الأمر بأنفسهم أن صفائح الحديد التي كانت ممتدة على عرض الباب وتغلقه ومرتبطة باطرافها بالحائط كانت قد قطعت إلى قطعتين. فدخلوا الحرم المطهر.
وعلم أهالي النجف بالخبر فاجتمعوا في الحرم وهرب أفراد الشرطة. وأرسلوا تقريراً بالحادث إلى قادتهم في بغداد فأمروهم بعدم التعرض لهم، فأقيم العزاء في ذلك العام في النجف وكربلاء أكثر من أي عام مضى، ونظم الشعراء الشعر في هذه المعجزة وذاع صيتها. وقام أحد الفضلاء بنقش بعض أشعاره على لوحة علقها على حائط الحرم المطهر وقد سجلت ذلك الشعر آنذاك وهو:
من لم يقر بمعجزات المرتضى
صنو النبي فليس بمسلم
فتحت لنا الأبواب راحة كفه
اكرم بتك الراحتين وأنعم
اذ قد أرادوا منع أرباب العزا
بوقوع ما يجري الدم بمحرم
فإذا الوصي براحتيه أرّخوا
أوما ففكا لباب حفظاً للدم
وكما أشار الشاعر في نهاية شعره فلولا عنايته لوقعت فتنة عظيمة ولأريقت دماء كثيرة ويمكنك ادراك التاريخ من آخر عجز في القصيدة.