Ads 468x60px

الجمعة، 12 يوليو 2013

الحلقة الثالثة - فتّانا القبر

الحلقة الثالثة - فتّانا القبر

كانا كوحشَين قويّين يخرج من فمَيهما ومناخيرهما النار والدخان، وبيديهما هِراوَتان من حديد محمرّ، كجمرتين يتطاير منهما الشر. أخذا يطرحان على الجثّة أسئلة بصوت كرعد قاصف كاد يهزّ الأرض والسماء، قالا له: « مَن ربّك ؟ ».
أمّا أنا فقد جفّ حلقي من شدّة الخوف والهلع، وقلت: إنّ هذه الجثّة التي لا روح فيها لا يمكن أن تجيب عن سؤالهما، ولا شكّ أنّهما سينهالان عليها بالضرب بهراوتَي النار فيمتلئ القبر بالنار المحرقة ويشتدّ الأمر، فمن الخير إذن أن أردّ أنا. فتوجّهت إلى الله أملِ البائسين والمساكين وملجأ الحَيارى، وتوسّلتُ في قلبي بالإمام عليّ بن أبي طالب (1) الذي كنت أعرفه جيداً، وأعرف أنّه يدرك الملهوفين.
كنت أحبّ أن أرى قدرته نافذة في كلّ مكان وفي جميع العوالم، وكانت هذه واحدة من نعم الله تعالى أعدّها لإنقاذ عبيده من ذلك الوضع المخيف الذي يجرّد الإنسان من كلّ إحساس وشعور:
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارى وَمَا هُمْ بِسُكَارى (2)
إنّه يذكّرهم بتلك الوسيلة الكبيرة.
وفعلاً، ما أن تذكّرت ذلك حتّى قوي قلبي وانحلّت عقدة لساني.
ولمّا طال الزمن على ردّ الجواب، عاد السائلان يسألان بغيظ وحَنَق وبصوت أشدّ من الأوّل وبغضب شديد اسوَدّ منه وجهاهما وانبعث الشرر يتطاير من عينيهما: « مَن ربك ؟ ».
ولكنّني قبل أن يركبني الخوف كالسابق (3)، أجبت بصوت ضعيف: الله ربّي هُوَ اللهُ الّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ والشّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحيمُ * هُوَ اللهُ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ المَلِكُ القُدُوسُ السّلامُ المُؤمِنُ المُهَيْمِنُ العَزيزُ الجبَّارُ المُتَكَبّرُ سُبْحَانَ الله عَمّا يُشْرِكُوَن (4).
هذه الآيات الشريفة التي كنت أتلوها في تعقيب صلاة الصبح دائماً، تَلَوتُها عليهما لمجرد إظهار أنّي أحفظها، ولكي لا يقولا: إنّ الإنسان لا يملك علماً ولا كمالاً، كما قيل يوم خلق الله آدم إنّه ليس فيه سوى الفساد وإراقة الدماء.


الهامش

الحلقة الثانية - الدخول في عالم القبر

_______________________
1 ـ يستفاد من الروايات الموثوق بها أنّ نور ولاية أئمّة الهدى عليهم السّلام يكون في عون المحبّين والشيعة في مهالك عوالم ما بعد الموت ومخاطرها. وقد جاء في الديوان الشعري المنسوب إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام وهو يخاطب حارثاً الهمداني قائلاً:
يا حارَ همدانَ مَن يَمُت يَرَني
مِن مؤمنٍ أو منافقٍ قُبُلا
2 ـ الحج / 22.
3 ـ إن هذه الحالة من الاستعداد للإجابة التي يجسدها المرحوم المؤلف إنّما تحكي حال أشخاص من أمثال المرحوم نفسه ممّن أمضَوا السنوات في اكتساب المعرفة وخدمة الناس والأعمال الصالحة والفضائل والأخلاق الفاضلة. أمّا الذين غفلوا عن كلّ ذلك وانغمسوا في حبّ الدنيا، فيلقون حالة صعبة للغاية.
4 ـ الحشر / 22 و 23.