حدثني مشافهة سيد الفقهاء وسند العلماء العالم الرباني السيد مهدي القزويني ساكن الحلة قال أيده الله.
خرجت اليوم الرابع عشر من شبعان من الحلة أريد زيارة الحسين (ع) ليلة النصف منه فلما وصلت إلى شط الهندية وعبرت إلى الجانب الغربي منه وجدت الزوار الذاهبين من الحلة وأطرافها والواردين من النجف ونواحيه محاصرين جمعياً في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهندية ولا طريق لهم إلى كربلاء لأن عشيرة بني عنيزة قد نزلت على الطريق وقطعته عن المارة ولا يدع أفرادها أحداً يخرج من كربلاء ولا أحداً يلج إليها إلا انتهبوه.
قال: فنزلت على رجل من العرب وصليت صلاة الظهر والعصر وجلست انتظر ما يكون من أمر الزوار وقد تغيمت السماء وأمطرت مطراً يسيراً.
فبينما نحن جلوس إذ خرج الزوار بأسرهم من البيوتات متوجهين نحو طريق كربلاء فقلت لبعض من معي اخرج وسأل ما الخبر فخرج ورجع إلي وقال لي إن عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسحلة النارية وتعهدوا بإيصال الزوار إلى كربلاء ول آل الأمر إلى القتال مع بني عنيزة.
فلما سمعت ذلك قلت لمن معي هذا الكلام لا أصل له لأن بني لا قدره لهم على مقابلة بني عنيزة وأظن هذه مكيدة منهم لإخراج الزوار عن بيوتهم لأنهم استثقلوا بقاءهم عندهم في ضيافتهم.
فبينما نحن كذلك إذ رجع الزوار إلى البيوت فتبين الحال كما قبل، ولم يدخل الزوار إلى البيوت بل جلسوا في ظلالها والسماء متغيمة فأخذني لهم رقة شديدة وأصابني انكسار عظيم فتوجهت إلى الله بالدعاء والتوسل بالنبي وآله وطلبت إغاثة الزوار مما هم فيه.
فبينما انا على هذه الحال إذ أقبل فارس على فرس كريم لم أر مثله وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعية فأقبل يخب به جواده حتى وقف على البيت الذي أنا فيه وكان بيتاً من الشعر مرفوع الجوانب فسلم فرددنا عليه السلام فقال يا مولانا – يسميني باسمي- بعثني من يسلم عليك وهم كنج محمد آغا وصفر آغا وكانا من قواد العساكر العثمانية ويقولان فليأت الزوار فإنا قد طردنا عنيزة عن الطريق ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانية على الجادة فقلت له وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية؟ قال نعم فأخرجت الساعة فإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريباً فقلت إلينا بخليلنا فقدمت إلينا فتعلق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوار وأقم الليلة حتى يتضح الأمر فقلت له لا بد من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة.
فلما رآنا الزوار قد ركبنا تبعوا أثرنا بين راجل وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنه الأسد الخادر ونحن خلفه حتى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود ثم نزل وارتقينا إلى أعلى العرقوب فنظرنا فلم نر له عيناً ولا أثراً فكأنما صعد في السماء أو نزل في الأرض ولم نر قائداً ولا عسكراً فقلت لمن معي أبقي شك في أنه صاحب الأمر؟ فقالوا: لا والله كنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأني رأيته من قبل لكنني لا أذكر أين رأيته فلما فارقنا تذكرت أنه الشخص الذي زارني بالحلة وأخبرني بواقعة السليمانية.
وأما عشيرة عنيزة فلم نر أثراً لهم في منازلهم ولم نر أحداً نسأله عنهم سوى أننا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البر فوردنا كربلاء تخب بنا خيولنا فوصلنا إلى باب البلد وإذا بعسكر على السور فنادوا: من أين جئتم وكيف وصلتم؟ ثم نظروا إلى سواد الزوار فقالوا: سبحان الله والبرية امتلأت بالزوار فأين صارت عشيرة عنيزة؟ فقلت لهم اجلسوا في البد وخذوا أرزاقكم ولمكة رب يرعاها وهذا القول مضمون كلام عبد المطلب حين صار إلى ملك الحبشة في طلب إبله التي استولى عليها الأحباش فقال له الملك ولم لا تطلب مني رد البيت إليكم؟ فقال: (أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه).
قال: فدخلنا البدل فإنا بكنج محمد آغا جالساً على تخت قريب من الباب فسلمت عليه فقام في وجهي فقلت له يكفيك فخراً أنك ذكرت باللسان فقال ما الخبر؟ فأخبرته بالقصة فقال لي يا مولاي من أين أعلم أنك قادم للزيارة حتى أرسل لك رسولاً؟ وأنا عسكري منذ خمسة عشر يوماً محاصرون في البلد لا نستطيع الخروج خوفاً من عنيزة؟
ثم قال لي فأين صارت عنيزة ؟ قلت لا علم لي سوى أني رأيت غبرة شديدة في كبد البر كأنها غبرة الظعائن ثم أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف فكان مسيرنا كله في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء فراسخ ثم بتنا تلك الليلة بكربلاء فلما أصبحنا سألنا عن خبر عنيزة فأخبرنا بعض الفلاحين ممن في بساتين كربلاء قال بينما عنيزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهم وبيده رمح طويل فصرخ فيهم بأعلى صوته يا معشر عنيزة قد جاءكم الموت الزؤام عساكر الدولة العثمانية متوجهة إليكم بخيلها ورجالها وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنكم تنجون منهم فألقى الله فيهم الخوف والذل حتى أن الرجل منهم يترك بعض متاع بيته استعجالاً للرحيل فلم تمض ساعة حتى ارتحلوا بأجمعهم وتوجهوا نحو البر فقلت له صف لي الفارس فوصفه لي فإذا هو صاحبنا بعينه.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.