قال المحدث الجليل الحر العاملي في (إثبات الهداة) كنت في عصر الصبا وسني عشر سنين أو نحوها حين أصابتي مرض شديد جداً حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيأوا للتعزية وأيقنوا أني أموت تلك الليلة فرأيت النبي والأئمة الأثني عشر (صلوات الله عليهم) وأنا فيما بين النائم واليقظان فسلمت عليهم وصافحتهم واحداً واحداً وجاء بيني وبين الصادق (ع) كلام ولم يبق في خاطري إلا أنه دعا لي.
فلما سلمت على صاحب الأمر (ع) وصافحته بكيت وقلت يا مولاي أخاف أن أموت في هذا المرض ولم أقض وطري من العلم والعمل فقال (ع) لا تخف فإنك لا تموت في هذا المرض بل يشفيك الله وتعمر عمراً طويلاً ثم ناولني قدحاً كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عني المرض بالكلية وجلست وتعجب أهلي وأقاربي ولم أحدثهم بما رأيت بعد أيام.
ذكر العالم الفاضل الخبير الميرزا عبدالله الأصفهاني تلميذ العلامة المجلسي (ره) في الفصل الثاني من خاتمة القسم الأول من كتاب (رياض العلماء) أن الشيخ أبا القاسم بن محمد بن أبي القاسم الحاسمي هو الفاضل العالم الكامل المعروف بالحاسمي وهو من كبار مشايخ أصحابنا ويظهر أنه من قدماء الأصحاب.
وقال الأمير السيد الحسين العاملي المعروف بالمجتهد المعاصر للسلطان الشاه عباس الماضي الصفوي في أواخر رسالته التي ألفها في أحوال أهل الخلاف في الدنيا والآخرة في مقام الحديث عن بعض المناظرات الواقعة بين الشيعة وأهل السنة ما نصه:
الثانية منها حكاية غريبة وقعت في البلدة الطيبة همدان بين شيعي اثني عشر وبين شخص سني رأيتها في كتاب قديم يحتمل حسب العادة أن تاريخ كتابته يعود إلى ثلاثمائة سنة قبل الآن وجاء فيه:
قامت بين بعض علماء الشيعة ألاثني عشرية واسمه أبو القاسم محمد بن أبي القاسم الحاسمي وبين بعض علماء أهل السنة واسمه رفيع الدين الحسين صداقة وصحبة قديمتان وشراكة في الأموال ومخالطة في أكثر الأحوال وفي الأسفار ولم يكن أحدهما ليخفي مذهبه عن صاحبه وكان أبو القاسم يدعو رفيع الدين مازحاً بالنصب كما ينسب رفيع الدين أبا القاسم إلى الرفض ولم يقع بينهما خلال صحبتهما أي بحث في المذهب إلى أن اتفق لهما يوماً أن تبادلا الكلام في ذلك وكانا في مسجد بلدة همدان الذي يقال له المسجد العتيق وأثناء الكلام جعل رفيع الدين الحسين يفضل فلاناً وفلاناً على أمير المؤمنين (ع) ورد عليه أبو القاسم ففضل أمير المؤمنين (ع) على فلان وفلان واستدل أبو القاسم على صحة مذهبه بذكر الآيات والأحاديث الكثيرة وذكر المقامات والكرامات والمعجزات التي صدرت عنه (ع) بينما جعل رفيع الدين يعكس الأمر، ويستدل على فضل أبي بكر على علي (ع) بصحبة النبي (ص) له في الغار ودعوته إياه بالصديق الأكبر بين المهاجرين والأنصار وأنه خص من بينهم بالمصاهرة والخلافة والإمامة كما أورد عن النبي (ص) حديثين في شأن أبي بكر وأحدهما أنه منه بمنزل القميص... الخ والآخر أنه (ص) ينصر باثنين بعده أبي بكر وعمر فلما سمع أبو القاسم مقالته قال له: بأي وجه وسبب تفضل أبا بكر والإنس الأوصياء وسند الأولياء وحامل اللواء وعلى إمام الجن والإنس قسيم الجنة والنار في حين أنك تعلمت أن علياً (ع) هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر وهو أخو رسول الله (ص) وزوج البتول؟ وتعلم أيضا أنه عندما خرج رسول (ص) نحو الغار هارباً من الظلمة والفجرة الكفار نام في فراشة وشاركه في العسر والفقر وأن رسول الله (ص) سد أبواب الصحابة إلى المسجد إلا باب علي (ع) وأنه رفع علياً (ع) على كتفه فحطم الأصنام في فجر الإسلام وأن الله عز وجل زوجه من فاطمة (ع) في الملأ الأعلى وأنه قاتل عمرو بن عبد ود العامري وفاتح خيبر وأنه لم يشرك بالله طرفة عين على نقيض أولئك الثلاثة وتعلم أن رسول الله (ص) شبهه بالأنبياء الأربعة حيث قال:
من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى موسى في شدته وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
فمع هذه الفضائل والكمالات الظاهرة الباهرة إلى قرابته من رسول الله (ص) إلى رد الشمس له كيف يعقل أو يجوز تفضيل أبي بكر على علي (ع)؟! فلما سمع رفيع الدين مقالة صاحبة وظهور فضل علي (ع) على أبي بكر تزعزع ما كان يربطه بأبي القاسم من علاقة خاصة وتبادلاً كلاماً قال رفيع الدين بعده:
أترضى بحكم أول داخل إلى هذا المسجد فإلى أينا حكم رضينا حكمه؟
تردد أبو القاسم هنيئة فهو يعرف تماما مذهب أهل الحمدان وأنهم من أهل السنة فخاف من هذا الشرط لكنه أمام إلحاح صاحبه قبل بالشرط على مضض ولم يمض إلا قليل حتى ظهر شاب تبدو عليه مخايل النجابه والجلالة وكان يبدو من حالته أنه قادم من سفر ودخل الشاب المسجد وطاف فيه وبعد الطواف دنا منهما فسارع رفيع الدين إليه وهو يضطرب وبعد السلام على الشاب عرض عليه ما كان بينه وبين صاحبه وبالغ في إظهار مذهبه إلى الشاب مشفعاً أقواله بالإيمان المؤكده وأقسم عليه أن يقول ما يعتقد واقعاً فبادر الشاب دون توقف فأنشد هذين البيتين:
ومتى أقل مولاي أفضل منهما ****** أكن للذي فضلته متـنقــــصاً.
ألم تر أن السيف يزري بحده ****** مقالك هذا السيف أحدى من العصا
وبعد أن فرغ الشاب من قراءة البيتين وأبو القاسم ورفيع الدين في ذهول مما رأياه من فصاحته وبلاغته أراد معرفة المزيد عن حاله لكنه غاب عن ناظريهما ولم يجد له أثراً فما كان من رفيع الدين بعد أن رأى ما رأى إلا أن تخلى عن مذهبه وقال بالإمامة الأثني عشرية.
وجاء في ذلك الكتاب الشريف أيضاً أن بعض الأفاضل الكرام والثقاة الأعلام قال: لما كانت بلدة البحرين تحت حكم الفرنجة جعلوا والياً عليها رجلاً من المسلمين ليكون ادعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها وكان هذا الوالي من النواصب وله وزير أشد نصباً منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت عليهم السلام ويحتال في إهلاكهم والإضرار بهم بكل حيلة.
فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمانه فأعطاها الوالي فإذا مكتوب عليها:
(لا إله إلا الله محمد رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله).
فتأمل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن تكون من صناعة البشر فتعجب من ذلك وقال للوزير هذه آية بينة وحجة قوية على إبطال مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له أصلحك الله إن هؤلاء جماعة متعصبون ينكرون البراهين وينبغي أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك وإن أبو إلا المقام على ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث: إما أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص عنها أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة أموالهم.
فاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمانة وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفار فتحيروا في أمرهم ولم يقدروا على جواب وتغيرت وجوههم وارتعدت فرائصهم.
فقال كبراؤهم أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلا فاحكم فينا ما شئت فأمهلهم فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحرين.
فاجتمعوا في مجلس وأجالو الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم عشرة ففعلوا ثم اختاروا من العشر ثلاثة فقالوا لأحدهم أخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجة الله علينا لعله يبين لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.
فخرج وبات طوال ليلته متعبداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو ويستغيث بالإمام (ع) حتى أصبح ولم ير شيئاً فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم فرجع كصاحبة ولم يأتيهم بخير فازداد قلقهم وجزعهم.
فأحضروا الثالث وكان تقياً فاضلاً اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى وتوسل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث بصاحب الزمان.
فلما كان في آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسى مالي أراك على هذه الحالة ولماذا خرجت إلى هذه البرية؟ فقال له: أيها الرجل دعني فإني خرجت لأمر عظيم وخطب لا أذكر إلا لإمامي ولا أشكوه إلا إلى من يقدر على كشفه عني.
فقال: يا محمد بن عيسى أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك فقال: إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن شرحها لك فقال له نعم خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به.
قال محمد بن عيسى فلما سمعت ذلك توجهت إليه قلت له نعم يا مولاي لأنت تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا.
فقال (صلوات الله عليه) يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين على هيئة الرمانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما على الرمانة وشدهما عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذا فإذا مضيتم غداً إلى الوالي فقل له جئتك بالجواب ولكني لا أبدية لك إلا في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك فترى غرفة فقل للوالي لا أجيبك إلا في تلك الغرفة وسيأبى الوزير ذلك فبالغ أنت في ذلك ولا ترض إلا بالصعود غليها فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه يتقدم عليك فإذا دخلت الغرفة رأيت فيها كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذ ترفيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال.
يا محمد بن عيسى قل للوالي أيضاً إن لدينا معجزة أخرى وهي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد والدخان وإن أردت صحة ذلك فمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته.
فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحاً شديداً وقبل الأرض بين يدي الإمام (صلوات الله عليه) وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور.
فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كل ما أمره الإمام وظهر كل ما أخبره فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال له من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا وحجة الله علينا فقال ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمة واحداً بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر (صلوات الله عليهم).
فقال الوالي: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الخليفة من بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثم أقر بالأئمة إلى آخرهم (عليهم السلام) وحسن إيمانه.
حضرة الشيخ ((محمد باقر شيخ الإسلام)) قال: عندما كان المرحوم الحاج ((قوام الملك)) مشغولاً ببناء مبنى الحسينية سلّم رخام المبنى لسيد حجّار كان أستاذاً لحجّاري شيراز آنذاك واتفق معه على أُسلوب المقاطعة (أي تعيين الاُجور على العمل كله مهما كانت كلفته) وقد تحمل السيد الحجّار خسارة كبيرة في هذا المشروع حيث انه أصبح مقروضاً بمبلغ (300 توماناً) وكان آنذاك يعد مبلغاً ضخماً، وكان بسببه دائم الإضطراب والقلق.
وفي ليلة الجمعة صلى صلاة جعفر الطيار وتوسل إلى أمير المؤمنين (ع) ليشفع له عند الله لكشف غمه وحل مشكلته، وكرر عمله هذا في ليلتي الجمعة الثانية والثالثة. وفي الثالثة رأى أمير المؤمنين (ع) في رؤياه يقول له: إذهب غداً إلى الحاج ((قوام)) فقد حولنا المبلغ عليه.
وعندما استيقظ حار في أمره وقال كيف أذهب إلى الحاج ((قوام)) وأكلمه وليس عندي دليل على كلامي فلعله يكذبني.
ثم وبعد تفكير وتحير جمع أمره وذهب إلى الحسينية وجلس في زاوية منها مهموماً مغموماُُ وبينما هو كذلك وإذ بالحاج ((قوام)) قد حضر ومعه خدم الحسينية وجمع من أصدقائه، ولم يكن حضوره في مثل هذا الوقت متوقعاً، واقترب ((قوام)) حتى وقف أمام السيد الحجّار وقال له: لي معك حاجة فهيا بنا إلى المنزل.
وبعد ان عاد الحاج ((قوام)) إلى منزله لحق به ((السيد)) الحجّار فاستقبله مرافقو الحاج وأدخلوه عليه باحترام تام، ولما دخل وسلم عليه قام ((الحاج قوام)) مباشرة ودون سؤاله عن حاله بتسليم ثلاثة أكياس في كل منها مائة تومان وقال له: إقضِ دينك بهذه. ولم يعقب بشيء.
***
نستفيد من هذه القصة إلى أي حد كان الأغنياء السابقون ذا صدق وإخلاص في عمل الخير إلى الحد الذي نالوا معه الإهتمام والعناية من أئمة الدين وكانوا يصحبونهم في دربهم، بينما اليوم نرى أن معظم الأغنياء غالباً ما يشغلون أفكارهم بزيادة ثروتهم ويحرمهم ذلك التوفيق لصرف بعض ثروتهم في الأمور الخيرية، كما أنهم إذا وفقوا لصرف القليل من أملاكهم في عمل الخير فيحرمون من الصدق والإخلاص في ذلك وينتظرون من عملهم مدح الناس وشكر الآخرين، وبما ان عملهم هذا غير خالص لله فلن يبقى لهم منه شيء.
وقد تناولنا البحث حول الرياء في أعمال الخير والذي يسبب بطلان العمل في كتاب ((الكبائر)) وبشكل مفصل. وأسال الله أن يوفق أغنياءنا للحصول على نتيجة ادخارهم وأن ينالوا شيئاً مما جمعوا. فالمال الذي يستحق الحمل والتعب هو المال الصالح الذي يزيد في ذخيرة الآخرة.
قال آية الله العلامة الحلي (رحمة الله ) في كتاب ( منهاج الصلاح) في شرح دعاء العبرات.
الدعاء المعروف هو مروي عن الصادق جعفر بن محمد (ع) وله- من جهة السيد السعيد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الأوى قدس الله روحه- حكاية معروفة بخط بعض الفضلاء في هامش ذلك الموضع من (المنهاج) روى المولى السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الأجل جمال الدين يعنى العلامة الذي روي عن والده عن جده الفقيه سديد الدين يوسف عن السيد الرضي المذكور أنه كان مأخوذاً (أي مسجوناً) عند أمير من أمراء السلطان جرماغون مدة طويلة مع شدة وضيق فرأى في نومه الخلف الصالح المنتظر فبكى وقال يا مولاي اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة فقال (ع) ادع دعاء العبرات فقال ما دعاء العبرات؟ فقال (ع) إنه في مصباحك فقال يا مولاي ما في مصباحي دعاء فقال عليه السلام أنظر تجده فانتبه من منامه وصلي الصبح وفتح المصباح فلقي ورقة مكتوباً فيها هذا الدعاء بين الأوراق فدعا به أربعين مرة وكان لهذا الأمير امرأتان إحداهما عاقلة مدبرة وهو كثير الاعتماد عليها فجاء الأمير في نوبتها فقالت له أخذت أحداً من أولاد أمير المؤمنين (ع) ؟ فقال لها لم تسألين عن ذلك؟ فقالت: رأيت شخصاً كأن نور الشمس يتلألأ من وجهه فأخذ بخلقي بين أصبعيه ثم قال: أرى بعلك أخذ ولدي وهو يضيق عليه في المطعم والمشرب فقلت له: يا سيدي من أنت؟ قال أنا علي بن ابي طالب قولي له إن لم تخل عنه لأخربن بيته.
فشاع هذا المنام وبلغ السلطان فقال ما أعلم ذلك وطلب نوابه فقال من عندك مأخوذ؟ فقالوا الشيخ أمرت بأخذه فقال: خلوا سبيله وأعطوه فرساً يركبها ودلوه على الطريق ليمض إلى بيته.
حدثني السيد الجليل الشريف أبو الحسن علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني قال: حدثني علي بن نما قال حدثني أبو محمد الحسن بن علي بن حمزة الاقساني في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدائني العلوي
قال: كان بالكوفة شيخ قصار وكان موسوما بالزهد منخرطا في سلك السياحة متبتلا للعبادة مقتفيا للآثار الصالحة، فاتفق يوما أنني كنت بمجلس والدي وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه،
قال: كنت ذات ليلة بمسجد جعفي وهو مسجد قديم وقد انتصف الليل وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة، فإذا أقبل علي ثلاثة أشخاص فدخلوا المسجد فلما توسطوا صرحته جلس أحدهم ثم مسح الارض بيده يمنة ويسرة فحصحص (فخضخض) الماء ونبع فأسبغ الوضوء منه، ثم أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء فتوضئا، ثم تقدم فصلى بهما إماما فصليت معهم مؤتما به، فلما سلم وقضى صلواته بهرني حاله واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الذي كان منهما إلى يميني عن الرجل فقلت له: من هذا ؟
فقال لي: هذا صاحب الامر ولد الحسن عليه السلام، فدنوت منه وقبلت يديه وقلت له: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو على الحق؟
فقال: لا، وربما اهتدى إلا أنه ما يموت حتى يراني
فاستطرفنا هذا الحديث فمضت برهة طويلة فتوفي الشريف عمر ولم يشع أنه لقيه فلما اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن نادية أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها، وقلت له مثل الراد عليه: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف عمر لا يموت حتى يرى صاحب الامر الذي أشرت إليه فقال لي ومن أين لك أنه لم يره ؟
ثم إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة وتفاوضنا أحاديث والده فقال: إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي وهو في مرضه الذي مات فيه وقد سقطت قوته بواحدة، وخفت موته، والابواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه واستطرفنا دخوله، وذهلنا عن سؤاله، فجلس إلى جنب والدي وجعل يحدثه مليا ووالدي يبكي، ثم نهض
فلما غاب عن أعيننا تحامل والدي وقال: أجلسوني فأجلسناه، وفتح عينيه وقال: أين الشخص الذي كان عندي ؟ فقلنا: خرج من حيث أتى فقال: اطلبوه فذهبنا في أثره فوجدنا الابواب مغلقة ولم نجد له أثرا، فعدنا إليه فأخبرناه بحاله وإنا لم نجده، ثم إنا سألناه عنه فقال: هذا صاحب الامر، ثم عاد إلي ثقله في المرض وأغمي عليه.
أخبرني جماعة من أهل النجف الأشرف أن رجلاً من أهل كاشان أتي النجف متوجهاً إلى بيت الله الحرام فاعتل علة شديدة حتى يبست رجلاه ولم يقدر على المشي فخلفه رفقاؤه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيط بالروضة المقدسة وذهبوا إلى الحج.
فكان هذا الرجل النجفي يغلق عليه الباب كل يوم ويذهب إلى الصحاري للتنزه ولطلب الدراري التي تؤخذ منها فقال له في بعض الأيام إني قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.
قال الكاشاني فأجابني إلى ذلك وحملني وذهب بي إلى مقام خارج النجف يقال له مقام القائم (ع) فأجلسني هناك وغسل قميصه في الحوض وطرحه على شجرة كانت هناك وذهب إلى الصحراء وبقيت وحدي مغموماً أفكر في ما يؤول إليه أمري فإذا أنا بشاب صبيح الوجه أسمر اللون دخل الصحن وسلم علي وذهب إلى بيت المقام وصلى عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أر مثله قط، فلما فرغ من الصلاة أتاني وسألني عن حالي فقلت له ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها , ولا يذهب بي فأستريح فقال لا تحزن سيعطيك الله كليهما وذهب.
فلما خرج رأيت القميص وقد وقع على الأرض فقمت وأخذته وغسلته وطرحته على الشجرة وتفكرت في أمري وقلت كنت لا أقدر على القيام والحركة فكيف صرت هكذا؟ فنظرت إلى نفسي فلم أجد شيئاً مما كان بي فعلمت أنه كان القائم (صلوات الله عليه) فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحداً فندمت ندامة شديدة.
فلما أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي وتحير في أمري فأخبرته بما جرى فتحسر على ما فات منه ومني ومشيت معه إلى الحجرة.
قال الرواة: وبقي الرجل سالماً حتى عاد الحجاج وعاد رفقاؤه وكان معهم مدة ثم مرض ومات ودفن في الصحن المقدس وظهر صحة ما أخبره به (عليه السلام) من وقوع الأمرين معاً.