من شفقة أمير المؤمنين عليه السلام على الخلق انه بذل طعامه للأسير واليتم والمسكين وبات جائعاً وزوجته الزهراء وولداه الحسن والحسين عليهم السلام ثلاثة أيام متواليات فقد أورد السيوطي والفخر الرازي والقرطبي، والآلوسي والواحدي، والخوارزمي، والحسكاني، والزمخشري، وغيرهم عن ابي عباس: إن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وأله في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك.
فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما أن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا وما معهم شيئ فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمس أقراص على عددهم، فوضعوها بين ايديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فأثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء واصبحوا صياماً فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فأثروه، و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك , فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وأله فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم؟ فقام وانطلق معهم فرأى فاطمة عليها السلام في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك في أهل بيته فأقرأه السورة أي سورة هل أتى؟ وفيه قوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا , عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا , يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا , وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا , إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا).
فقد أجمع أهل التفسير والحديث من الخاصة وتواترت من غيرهم ان هذه الآيات الشريفة نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بمناسبة صيامهم ثلاثة أيام وتصدقهم في تلك الليالي على المسكين واليتيم والأسير.
نقل ((الحاج علي السيد)) فقال: كنت في طفولتي أميّاً ولم أتعلم في مدرسة، وعندما أصبحت شاباً كان أملي أن أتمكن من قراءة القرآن، وفي إحدى الليالي توسلت إلى حضرة ولي العصر (عج) بقلب خاشع ومتذلل لله سبحانه، فرأيت في منامي أني في كربلاء وجاء إليّ شخص وقال: تعال إلى هذا البيت ففيه أقيم عزاء لسيد الشهداء (ع) واستمع لمجلس العزاء، وافقته ودخلت ذلك البيت فرأيت سيدين جليلين جالسين وأمامهما منقل نار وسفرة خبز ممدودة أمامهما، فعرضا بعضاً من الخبز على النار وقدّماه لي فتناولته، بعدها بدأ القارىء بقراءة الروضة الحسينية ومصائب أهل بيت خاتم الرسل عليهم السلام وبعد انتهائة من القراءة، أفقت من نومي واحسست أني نلت أملي، ففتحت القرآن المجيد ورأيت اني استطيع القراءة بشكل جيد.
بعد ذلك صرت أحضر مجالس قراءة القرآن وكنت إذا أخطأ أحد في القراءة أصحح له وحتى أني كنت اصحح قراءة الاستاذ.
قال لي الاستاذ: حتى الأمس كنت أمياً ولا يمكنك قراءة القرآن فكيف أصبحت هكذا ؟
قلت: بلغت هدفي ببركة ولي العصر (عج).
***
ثم أصبح الحاج المذكور استاذ قراءة ولم يكن يترك مجلس قراءة القرآن في ليلي شهر رمضان المبارك.
ومن جملة عجائبه أنه كان غالباً ما يرى في منامه حوادث المستقبل، وكان يعرف ما سيقع غداً ومع من سيلتقي ومع من سيتعامل ومقدار الربح الذي سيعود اليه.
قال لي مرة سيرزق الله ابنك السيد محمد هاشم قريباً ولداً فسمّه باسم المرحوم والدك ((السيد محمد تقي)). ولم يطل الأمر حتى تحقق ذلك وسميناه ((محمد تقي)). وبعد ولادته مرض مرضاً شديداً حتى لم يبقَ لنا أمل بحياته، فقال الحاج المذكور: سيشفى هذا الطفل وسيبقى. فلم يطل الأمر حتى شفاه الله، وهو الأن سالم بحمد الله وفي سن الخامسة.
فكان هذا الحاج ذا صفاء في نفسه ومهبطاً لعناية ولطف الإمام الحجة (عج) بسبب تقواه ومداومته على المستحبات وخاصة النوافل اليومية.
إعلم أن الحكمة من اطلاع بعض النفوس على الأمور الآتية والمستقبلية هو العلم بأن الله سبحانه وتعالى قد سجّل في كتاب من الكتب الروحانية ولوح من الألواح المعنوية كل الحوادث الكونية العامة والخاصة حتى نهاية تاريخ العالم قبل وقوعها كما ورد في سورة الحديد ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم...﴾[1] .
بناءاً على هذا فإن بعض النفوس الصافية تتمكن في منامها من الإنطلاق نسبياً من القيود المادية والارتفاع إلى مستوى الأرواح الشريفة والألواح العالية وبعض الكتب الإلهية والإطلاع على بعض الامور المشهودة فيها، وعندما يستيقظ وتعود تمام الروح إلى البدن لا تتصرف قوة خياله فيما رآه ويبقى ما رآه نقياً في ذاكرته ليخبر به.
روي إن إبراهيم الخليل لما مرّ من ارض كربلاء وهو راكب عثر به مركبه فشج رأسه وسال دمه فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث منى؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فسال دمك موافقة لدمه.
الثـقـة العادل الحاج ((علي السيد سلمان منش)) المعروف بورعه بين عامة المؤمنين قال لي:
ظهر في فخذي الأيسر قرح أزعجني، وعز علي كثيراً الذهاب الى المستشفى لإجراء الجراحة له، وفي أحدى الليالي نهضت في وقت السحر للتهجد، فوجدت رائحة شديدة تنبعث من مكان القرح فاضطربت وتوسّلت إلى الله قائلاً: الهي قضيت عمري في ظل الإسلام وعبادتك وحب محمد وآله عليهم السلام، فلا تبتلني وتضطرني لمراجعة الخارجين عن الدين الإسلامي، وباختصار توسلت برقة وتذلل حتى غبت عن وعيي.
وعندما أفقت علمت أن الصبح قد حل فتأسفت لأني حرمت من التهجد، فهرولت مسرعاً إلى الطابق الأسفل لأتوضأ، والتفت إلى نفسي متسائلاً: كيف تسنّى لي النزول بسرعة ووجدت إن فخذي لا يؤلمني رغم ذلك؟ فوضعت يدي محل الجرح فلم أحس بوجع، ونظرت إلى مكان الجرح فلم أجد له أثراً بحيث لم أعرف مكانه ولم يبق أي فرق بين فخذيَّ اليسرى واليمنى.
***
ثم استطرد الحاج علي قائلاً: العديد من الحوادث المشابهة لهذه الحادثة وقعت لي ولأقاربي بحيث كنا نقع في مرض أو ابتلاء شديد وكان الله يفرج عنا بواسطة الدعاء والتوسل بآل بيت الرسول عليهم السلام وما ذكرته لك مثالاً لما وقع لي.
يروى انه هناك شخصان أحدهما بائع بسيط بدخل متواضع. والأخر من أغنياء المدينة وأعيانها. كان البائع البسيط يكد ويشقى من الصباح حتى المساء لتأمين رزقه، وعندما كان يعود إلى بيته يجلس فيقسم حاصله اليومي إلى ثلاثة أثلاث، ليخصص ثلث منها ويدخره باسم الامام الحسين عليه السلام وبمرور الليالي والأيام وبعد البركة التي أفاضها الله تعالى على رزقه وما أدخره، اشترى قطعة أرض خارج مدينته وبعد سنوات قليلة شاء الله تعالى أن تتوسع المدينة فادخل التوسع قطعته تلك إلى داخل المدينة، فبنى فوقها حسينية لإقامة العزاء على سيد الشهداء بالإضافة إلى إقامة الفرائض والمراسم الدينية الأخرى. وقد ذكر ابن ذلك الكاسب! بأن أهل البلد عرضوا عليه شراء تلك الحسينية مقابل ه مليارات تومان لغرض تحويلها إلى مبني عام، لكنه رفض وقال هذا المكان وقف للأمام الحسين عليه السلام ولم يعد ملكاً لنا.
إن خدمات ذلك الكاسب في الدنيا محفوظة له، من خلال المراسيم التي تقام في تلك الحسينية والتي أحيت ذكره، هذا بالإضافة إلى الثواب الأخروي الذي ينتظره بينما لم أسمع عن ذلك الثري انه أوقف ولو شبراً واحداً من أملاكه للأمام الحسين عليه السلام حتى آل الأمر أن اقتسم ثروته من بعده كل أمواله ولم يبقى له أي شيء يحيي اسمه من بعده.
نقل المرحوم ((سلامي)) المذكور في القصة السابقة أن سبعة أشخاص شفوا من الحصبة سوياً في بيت ((الحاج عبد الرحيم سرافراز)) ببركة سيد الشهداء في شيراز في شهر محرم، بعد ان شاع مرض الحصبة في المدينة ولم يخل منه بيت ومات منه الكثيرون وذكر القصة بتفاصيلها.
وقد التقيت مع ((الحاج سرافراز)) الذي وقعت الحادثة في بيته وسألته عنها فنقلها لي بصيغة مطابقة لما ذكره المرحوم ((الحاج محمد هاشم سلامي)) وطلبت منه أن يكتبها بخطه لاثبتها هنا، وفيما يلي نص روايته:
قبل عشرين عاماً تقريباً عمَّ مرض الحصبة وأصاب معظم الناس، واُصيب به سبعة من عائلتي وأولادي وكان السبعة في غرفة واحدة، وفي ليلة الثامن من شهر محرم الحرام تركتهم وغادرت البيت بذهن مضطرب عليهم للمساهمة في إقامة مجلس العزاء لسيد الشهداء (ع) الذي كنّا نقيمه والذي أسسه المرحوم ((الحاج ملا علي سيف)) عليه الرحمة.
وبعد انتهاء مجلس العزاء وحلول وقت صلاة الصبح عدت إلى المنزل على عجل وسألت الله أن يشفي مرضاي السبعة بالزهراء (ع). وعندما وصلت إلى المنزل وجدت أطفالي وقد جلسوا حول المدفأة ويتناولون بشهية ما بقي من خبز الأمس بعد تسخينه على النار.
رؤية هذا المنظر أثار عصبيتي حيث أن تناول الخبز وخاصة خبز الأمس يضر مرضى الحصبة، ابنتي الكبيرة التفتت إلى ما ظهر مني وقالت لي: لقد شفينا ونهضنا من النوم جياعاً فتناولنا الخبز والشاي.
قلت: تناول الخبز لا يناسب مرض الحصبة!
قالت: أبتاه اجلس لأروي لك ما رأيت في منامي، وكيف شفينا فقالت:
رأيت في منامي أن غرفتنا قد أنيرت بضوء قوي، ودخل رجل إلى الغرفة ووضع سجادة سوداء في هذا القسم من الغرفة، ووقف بأدب أمام الباب، عند ذلك دخل خمسة أشخاص بجلال ووقار كبيرين، أحد هؤلاء الخمسة امرأة جليلة، في البدء نظروا بدقة إلى طوق الغرفة وإلى الكتابات التي نقشت على الجدران واسم المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام، ثم جلسوا على أطراف تلك السجادة السوداء، ثم اخرجوا قرائين صغيرة وقرؤا فيها قليلاً، ثم بدأ أحدهم بقراءة التعزية للقاسم بن الحسن (ع) باللغة العربية، ولما كرر اسم القاسم علمت انها تعزية القاسم فبكى الجميع كثيراً وخاصة تلك المرأة فقد كانت تبكي بحرقة، بعد ذلك قام الرجل (الذي حضر أولاً ووضع لهم السجادة) بتقديم شيء مثل القهوة في فناجين صغيرة ووضعها أمامهم.
هنا تعجبت لمَّا رأيت أقدامهم حافية رغم جلالهم وعظمتهم، فتقدمت نحوهم وقلت لهم: بالله عليكم من هو الإمام علي (ع) منكم؟ فأجاب أحدهم: أنا هو.
فقلت: قل لي بالله فلم أقدامكم حافية؟
فأجاب بحال باكية وقال: نحن في هذه الأيام في عزاء واقدامنا عارية لذلك. اما أقدام تلك السيدة فمغطاة بثوبها.
قلت: نحن عدة أطفال كنا مرضى وأمنا مريضة أيضاً وخالتنا كذلك.
عند ذلك نهض الإمام علي (ع) من مكانه ومسح بيده المباركة على رأس ووجه كل واحد منا ثم عاد وجلس وقال: شفيتم جمعكم إلا أمكم.
قلت: أمي كذلك مريضة.
فقال: على اُمك أن تذهب، فبكيت والتمست.
فرجوته وتوسلت إليه، لما رأى جزعي وتوسلي نهض ومسح بيده على لحاف والدتي، ولما أراد مغادرة الغرفة نظر إليّ وقال: عليك بالصلاة فما دامت رموش اعيننا تتحرك فعلينا بالصلاة، سرت خلفهم حتى الزقاق فرأيت عربات مغطاة بالسواد تنتظرهم، ثم عدت إلى الغرفة واستيقظت من نومي فسمعت صوت أذان الصبح، وضعت يدي على يدي الأخرى وعلى أيدي اخوتي ثم خالتي ووالدتي فلم أجد في أي منا أثراً للحمى والحرارة، فنهض الجميع وصلينا صلاة الصبح، ولما أحسسنا بالجوع الشديد أعددنا الشاي وتناولنا ما بقي من خبز الأمس منتظرين عودتك لإعداد الفطور.
سال عبد الله بن رباح قاضي أعمى عن عمائه، فقال كنت حضرت كربلاء وما قاتلت فنمت ورأيت شخصاَ هائلا قال لي: أجب رسول الله صلى الله عليه وأله فقلت: لا أطيق! فجرني إلى رسول الله صلى الله عليه وأله: فوجدته حزينا وفي يده حربة، وبسط قدامه نطع. وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب اعناق القوم وتقع النار فيهم فتحرقهم ثم يحيون ويقتلهم ايضا هكذا, فقلت السلام عليك يا رسول الله, والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت سهما فقال النبي صلى الله عليه وأله: ألست كسرت السواد ؟ فسلمنى وأخذ من طست فيه دم فكحلني من ذلك الدم. فأحترقت عيناي فلما انتبهت كنت اعمى.