حدثني السيد الجليل الشريف أبو الحسن علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني قال: حدثني علي بن نما قال حدثني أبو محمد الحسن بن علي بن حمزة الاقساني في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدائني العلوي
قال: كان بالكوفة شيخ قصار وكان موسوما بالزهد منخرطا في سلك السياحة متبتلا للعبادة مقتفيا للآثار الصالحة، فاتفق يوما أنني كنت بمجلس والدي وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه،
قال: كنت ذات ليلة بمسجد جعفي وهو مسجد قديم وقد انتصف الليل وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة، فإذا أقبل علي ثلاثة أشخاص فدخلوا المسجد فلما توسطوا صرحته جلس أحدهم ثم مسح الارض بيده يمنة ويسرة فحصحص (فخضخض) الماء ونبع فأسبغ الوضوء منه، ثم أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء فتوضئا، ثم تقدم فصلى بهما إماما فصليت معهم مؤتما به، فلما سلم وقضى صلواته بهرني حاله واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الذي كان منهما إلى يميني عن الرجل فقلت له: من هذا ؟
فقال لي: هذا صاحب الامر ولد الحسن عليه السلام، فدنوت منه وقبلت يديه وقلت له: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو على الحق؟
فقال: لا، وربما اهتدى إلا أنه ما يموت حتى يراني
فاستطرفنا هذا الحديث فمضت برهة طويلة فتوفي الشريف عمر ولم يشع أنه لقيه فلما اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن نادية أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها، وقلت له مثل الراد عليه: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف عمر لا يموت حتى يرى صاحب الامر الذي أشرت إليه فقال لي ومن أين لك أنه لم يره ؟
ثم إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة وتفاوضنا أحاديث والده فقال: إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي وهو في مرضه الذي مات فيه وقد سقطت قوته بواحدة، وخفت موته، والابواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه واستطرفنا دخوله، وذهلنا عن سؤاله، فجلس إلى جنب والدي وجعل يحدثه مليا ووالدي يبكي، ثم نهض
فلما غاب عن أعيننا تحامل والدي وقال: أجلسوني فأجلسناه، وفتح عينيه وقال: أين الشخص الذي كان عندي ؟ فقلنا: خرج من حيث أتى فقال: اطلبوه فذهبنا في أثره فوجدنا الابواب مغلقة ولم نجد له أثرا، فعدنا إليه فأخبرناه بحاله وإنا لم نجده، ثم إنا سألناه عنه فقال: هذا صاحب الامر، ثم عاد إلي ثقله في المرض وأغمي عليه.
أخبرني جماعة من أهل النجف الأشرف أن رجلاً من أهل كاشان أتي النجف متوجهاً إلى بيت الله الحرام فاعتل علة شديدة حتى يبست رجلاه ولم يقدر على المشي فخلفه رفقاؤه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيط بالروضة المقدسة وذهبوا إلى الحج.
فكان هذا الرجل النجفي يغلق عليه الباب كل يوم ويذهب إلى الصحاري للتنزه ولطلب الدراري التي تؤخذ منها فقال له في بعض الأيام إني قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.
قال الكاشاني فأجابني إلى ذلك وحملني وذهب بي إلى مقام خارج النجف يقال له مقام القائم (ع) فأجلسني هناك وغسل قميصه في الحوض وطرحه على شجرة كانت هناك وذهب إلى الصحراء وبقيت وحدي مغموماً أفكر في ما يؤول إليه أمري فإذا أنا بشاب صبيح الوجه أسمر اللون دخل الصحن وسلم علي وذهب إلى بيت المقام وصلى عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أر مثله قط، فلما فرغ من الصلاة أتاني وسألني عن حالي فقلت له ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها , ولا يذهب بي فأستريح فقال لا تحزن سيعطيك الله كليهما وذهب.
فلما خرج رأيت القميص وقد وقع على الأرض فقمت وأخذته وغسلته وطرحته على الشجرة وتفكرت في أمري وقلت كنت لا أقدر على القيام والحركة فكيف صرت هكذا؟ فنظرت إلى نفسي فلم أجد شيئاً مما كان بي فعلمت أنه كان القائم (صلوات الله عليه) فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحداً فندمت ندامة شديدة.
فلما أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي وتحير في أمري فأخبرته بما جرى فتحسر على ما فات منه ومني ومشيت معه إلى الحجرة.
قال الرواة: وبقي الرجل سالماً حتى عاد الحجاج وعاد رفقاؤه وكان معهم مدة ثم مرض ومات ودفن في الصحن المقدس وظهر صحة ما أخبره به (عليه السلام) من وقوع الأمرين معاً.
يقول العالم الفاضل الألمعي علي بن عيسى الإربلي صاحب (كشف الغمة) حكي لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني قال: كان أبي عطوة زيدي المذهب وكان يشكو علة عجز أطباء عن علاجها وكان ينكر علينا نحن بنيه الميل إلى مذهب الأمامية ويقول لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجئ صاحبكم- يعنى الإمام المهدي (عج)- فيبرئني من هذا المرض ولا يفتأ يكرر هذا القول.
فبينما نحن مجتمعون عند وقت العشاء الأخر ذات ليلة إذ أبونا يصيح ويستغيث بنا فأتيناه سراعاً فقال ألحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نرى أحداً فعدنا إليه وسألناه فقال إنه دخل إلى شخص وقال يا عطوة فقلت من أنت؟ فقال أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك ثم مد يده فعصر موضع الألم عندي ومشى ومددت يدي فلم أجد لما بي أثراً.
قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به علة واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير أبنه فأخبروني وأقروا بها.
ذكر السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (فرج المهموم) وذكر العلامة المجلسي في (البحار) عن كتاب (الدلائل) للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري أنه قال:
حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال:
تقلدت عملاً من أبي منصور بن صالحان وجرى بيني وبينه ما أوجب استشاري فطلبني وأخافني فمكثت مستتراً خائفاً ثم قصدت مقابر قريش (أي مرقد الكاظم (ع) ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة وكانت ليلة ريح ومطر فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة وآمن من دخول إنسان مما لم آمنه وخفت من لقائي له، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ومكثت أدعو وأزور وأصلي.
فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأ عند مولانا موسى (ع) وإذا رجل يزور فسلم على آدم وأولي العزم ثم الأئمة واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (ع) فلم يذكره فعجبت من ذلك وقلت: لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب الرجل.
فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (ع) فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم أعرفه ورأيته شاباً تاماً من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بذؤابة ورائده على كتفه مسبل فقال يا أبا الحسن بن أبي البغل أين أنت من دعاء الفرج؟ فقلت: وما هو يا سيدي؟ فقال: تصلي ركعتين وتقول:
﴿يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم المن يا كريم الصفح يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا منتهى كل نجوى يا غاية كل شكوى يا عون كل مستعين يا مبتدئاً قبل استحقاقها يا رباه (عشره مرات) يا غاية رغبتاه (عشره مرات) أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام) إلا ما كشفت كربي ونفسي همي وفرجت غمي وأصلحت حالي﴾.
وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مئة مرة في سجودك: ( يا محمد يا علي يا علي يا محمد أكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي).
وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مئة مرة: (أدركني) وتكررها كثيراً وتقول: ( الغوث الغوث الغوث) حتى ينقطع النفس وترفع رأسك فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله.
فلما شغلت بالصلاة والدعاء خرج فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الابواب على حالها مغلقه مقفلة فعجبت من ذلك وقلت:
لعله بات ههنا ولم أعلم فانتهيت إلى أبي جعفر القيم فخرج إلى من بيت الزيت (أي الحجرة حيث محل زيت السراج) فسألته عن الرجل ودخوله فقال الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها فحدثته بالحديث فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) وقد شاهدته مراراً في مثل هذه الليلة عند خلو المرقد من الناس.
فتأسفت على ما فاتني منه، وخرجت عند اقتراب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عني أصدقائي عنده، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه وقال:
انتهت بك الحال أن تشكوني إلى صاحب الزمان (صلوات الله عليه)؟ فقلت قد كان مني دعاء ومسألة فقال ويحك رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه) في النوم يعنى ليلة الجمعة وهو يأمرني بكل جميل ويجفو علي جفوة خفتها.
فقلت: لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق رأيت البارحة مولانا في اليقظة وقال لي كذا كذا وشرحت ما رأيته في المشهد فتعجب من ذلك وجرت منه بحقي أمور عظام حسان بهذا المعنى وبلغت منه غاية ما لم أظنه ببركة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه.
إن القرامطة بعد أن قلعوا الحجر الأسود أثناء هجومهم على مكة المكرمة 317هـ ونقلوه إلى هجر وكان ذلك إبان الغيبة الصغرى بقي الحجر لديهم ثلاثين عاماً أو يزيد وأرجعوه إلى مكة 339 أو 337 هـ فكان المهدي (ع) هو الذي وضعه في مكانه وأقره على وضعه السابق كما ورد في أخبارنا.
قال الراوي لما وصلت إلى بغداد في سنة وثلاثين وثلاثمائة عزمت على الحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر في مكانه إلى البيت. كان أكثر همي الظفر بمن ينصب الحجر لأنه يمضي في أبناء الكتب قصة أخذه فإنه لا يضعه إلا الحجة في الزمان كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (ع) في مكانه.
وأوضح الراوي بأن الناس فشلوا في وضعه في محلة وكلما وضعه إنسان اضطرب الحجر ولم يستقم فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله فوضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات.
ثم أن المهدي (ع) خرج من المسجد ولاحقه الراوي طالباً منه حاجة فقضاها له وأقام الدلالة ساعتئذ على حقيقته.
يقول السيد المتقي العاملي : وردت المشهد الرضوي المقدس للزيارة وأقمت فيه مدة وكنت في ضنك وضيق مع وفور النعمة ورخص أسعارها ولما أردت الرجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شيء من الزاد حتى قرص لقوت يومي فتخلفت عنهم وبقيت إلى زوال الشمس فزرت مولاي وأديت فرض الصلاة ورأيت أني لو ألحق بالقافلة فلن يتيسر لي رفقة عن قريب وإن بقيت أدركني الشتاء وساءت حالتي.
فخرجت من الحرم المطهر بعد أن دعوت وشكوت وقلت في نفسي: أمشي على أثرهم فإن مت جوعاً استرحت وإلا لحقت بهم فخرجت من البلد وسألت عن الطريق وصرت أمشي حتى غربت الشمس وما صادفت أحداً فعلمت أني أخطأت الطريق وأنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى الحنظل وقد أشرفت من الجوع والعطش على الهلاك فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من بينها ببطيخة حتى كسرت نحواً من خمسمائة فلم أظفر بها وطلبت الماء والكلأ حتى جني الليل ويئست منهما فأيقنت الفناء واستسلمت للموت وبكيت على حالي.
وتراءى لي مكان مرتفع فصعدته فوجدت في أعلاه عيناً من الماء فتعجبت وشكرت الله عز وجل وشربت الماء ونقلت في نفسي: أتوضأ وأصلي لئلا ينزل بي الموت وأنا مشغول الذمة بهما فبادرت إليهما.
فلما فرغت من العشاء الأخرى وامتلأت البيداء بأصوات السباع وغيرها وكنت أعرف من بينها صوت الأسد والذئب وأرى أعين بعضها تتوقد كأنها السراج فزادت وحشتي إلا أني كنت مستسلماً للموت فأدركني النوم لكثرة التعب وما أفقت إلا والأصوات قد خمدت والدنيا بنور القمر قد أضاءت وأنا في غاية الضعف فرأيت فارساً مقبلاً علي، فقلت في نفسي: إنه يقتلني لأنه يريد متاعي فلا يجد شيئاً عندي فيغضب لذلك فيقتلني ولا أقل من أن تصيبني منه جراحة.
فلما وصل إلى سلم علي فرددت عليه السلام وطابت منه نفسي فقال: مالك؟ فأومأت إليه بضعفي فقال: عندك ثلاث بطيخات لم لا تأكل منها؟ فقلت: لا تستهزئ بي ودعني في حالي فقال لي: انظر وراءك فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار، فقال: سد جوعك بواحدة وخذ معك اثنتين وعليك بهذا الصراط المستقيم فامش عليه وكل نصف بطيخة أول النهار والنصف الآخر عند الزوال وأحفظ بطيخة فإنها تنفعك فإذا غربت الشمس تصل إلى خيمة سوداء يوصلك أهلها إلى القافلة وغاب عن بصري.
فقمت إلى تلك البطيخات فكسرت واحدة منها فرايتها في غاية الحلاوة واللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها وأخذت معي الاثنتين ولزمت الطريق وجعلت أمشي حتى طلعت الشمس ومضى على طلوعها مقدار ساعة فكسرت واحد منهما وأكلت نصفها وسرت إلى زوال الشمس فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق.
فلما قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة ورآني أهلها فبادروا إلي وأخذوني بعنف وشدة وذهبوا بي إلى الخيمة كأنهم زعموني جاسوساً فأتوا بي إلى كبيرهم فقال لي بشدة وغضب من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك ورحنا نتبادل التخاطب بكل حيلة حتى شرحت له حالي فقال أيها السيد الكذاب لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف: أو أكله السباع ثم إنك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره ومن هذا المكان إلى المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام؟! صدقني وإلا قتلتك وشهر سيفه في وجهي.
فبدا له البطيخ من تحت عباءتي فقال: ما هذا؟ فقصصت عليه قصته فقال الحاضرون: ليس في هذه الصحراء بطيخ خصوصاً هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبداً.
ثم رجعوا إلى أنفسهم وتكلموا فيما بينهم وكأنهم علموا صدق مقالتي وأن هذه معجزة من الإمام (ع) فأقبلوا علي وقبلوا يدي وصدروني في مجلسهم وأكرموني غاية الإكرام وأخذوا لباسي تبركاً به وكسوني ألبسة جديدة فاخرة وأضافوني يومين وليلتين.
فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين ووجهوا معي ثلاثة منهم حتى أدركت القافلة.
قال العالم الفاضل علي بن عيسى الإربلي في ( كشف الغمة).
حدثني جماعة من ثقاة إخواني أنه كان في بلاد الحلة شخص يقال له : إسماعيل الهرقلي من قرية يقال لها: (هرقل)، مات في زماني وما رأيته حكى لي ولده شمس الدين قال:
حكي لي والدي أنه خرج (فية) وهو شاب على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان وكانت في كل ربيع تتشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه آلمها عن كثير من أشغاله، فحضر إلى الحلة يوماً ودخل إلى مجلس السيد رضي الدين علي بن طاووس وشكا إليه ما يجده، فأحضر له السيد أطباء الحلة وأراهم الموضع فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطرا فمتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.
فقال له السيد: أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فصحبة فأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره فقال له السيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس.
فقال والدي: إذا كان الأمر هكذا وقد حصلت في فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى ثم توجه إلى هناك.
يقول صاحب (كشف الغمة): حدثني ولده قال : قال لي أبي:
لما دخلت المشهد وزرت الإمامين الهمامين علي النقي والحسن العسكري (عليهما السلام) نزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبصاحب الأمر (ع) وقضيت الليل في السرداب حتى إذا كان الصباح مضيت إلى دجلة فاغتسلت وغسلت ثيابي وملأت إبريقاً كان معي وصعدت أريد المشهد لمعاودة الزيارة فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين يتقلد كل منهما سيفاً وشيخاً منقباً بيده رمح. والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح بين الطريقين ووضع كعب رمحه في الأرض ووقف الشابان عن يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابلاً لي ثم سلموا علي فرددت عليهم السلام فقال لي صاحب الفرجية: أتروح إلى أهلك غداً؟ قلت نعم، قال تقدم حتى أبصر ما يوجعك.
قال: فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثم إنني مع ذلك تقدمت إليه فلزمني بيدي ومدني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة. فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرج فرسه كما كان فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.
فتعجبت من معرفته باسمي فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله، فقال هذا هو الإمام فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه فقال: ارجع فقلت: لا أفارقك أبداً! فقال المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ ما تستحي يقول لك الإمام مرتين: ارجع، وتخالفه؟
فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت إلي وقال إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.
ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم حتى بعدوا، وحصل عندي آسف لمفارقته فقعدت على الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حوالي وقالوا نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء؟ قلت: لا قالوا خاصمك أحد؟ قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم فقلت بل هو الإمام (ع) فقالوا الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت هو صاحب الفرجية، فقالوا أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضة بيده وأوجعني ثم كشف رجلي فلم أرى لذلك المرض أثراً فتداخلني الشك من الدهش فأخرجت رجلي لآخر الأخرى فلم أر شيئاً فانطبق الناس على ومزقوا قميصي فأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عني.
وكان ناظر (بين النهرين) بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه فراح ليكتب الواقعة وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد فرجعوا عني ووصلت إلى (أواني) فبت بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون كل من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم ومزقوا ثيابي وكادت روحي تفارق مني الجسد. وكان ناظر (بين النهرين) كتب إلى بغداد وعرفهم الحال وخرج السيد رضي الدين ومعه جماعة فردوا الناس عني وسألني أعنك يقولون؟ قلت نعم فنزل عن دابته وكشف فخذي فلم ير شيئاً فغشي عليه ساعة ثم انتبه فأخبرني أن الوزير طلبه وأدخلني على الوزير وكان قيماً فقال له يا مولاي هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي.
فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فأحضر الأطباء الذين أشرفوا على علتي فسألهم عنها وعن مداواتها فقالوا: ما دواؤها إلا القطع ومتى قطعها مات فقال فتقدير أن يقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا في شهرين ويبقى في مكانها حضيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟ قال منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ التي كان فيها الألم فإذا هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً.
فصاح أحد الأطباء- وكان نصرانياً- هذا والله من عمل المسيح! فقال الوزير حيث لم يكن من عملكم فنحن نعرف من عملها.
ثم إن الوزير بعث بي إلى الخليفة المستنصر فسألني عن القصة فعرفته بها كما جرت فتقدم لي بألف دينار فقال: خذ هذه فأنفقها فقلت: ما أجسر أخذ منها حبة واحدة فقال: ممن تخاف؟ فقلت من الذي فعل بي هذا قال لي لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً فبكى الخليفة وخرجت من عنده ولم آخذ شيئاًَ.
يقول صاحب (كشف الغمة) كان من محاسن ما اتفق لي أني كنت يوماً أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان شمس الدين محمد ولد إسماعيل عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت له هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا فقد كنت صغيراً ولكني رأيتها بعدما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر، وكان أبي يحضر إلى بغداد كل سنة ويزور سر من رأى كل يوم من إقامته هناك عله يفوز برؤيته(ع) فلم يكتب له ذلك وقد زار سامراء أربعين مرة ثم مات رحمه الله بحسرته.