كان لأحد المزارعين عبد يدعى " سلاّم " ، وكان مخلصاً أميناً ، يعمل في الحراثة والحصاد ونقل الغلال ، وسقي المواشي وغير ذلك من الأعمال ، وكان للرجل أملاك وأطيان كثيرة مما أرهق العبد وأثقل كاهله ، فتكلم مع سيده في الأمر ، وشرح له عما يلاقيه من تعب ومشقة من كثرة الأعمال التي يقوم بها وحده وقال له : انه بحاجة إلى مساعد ليعينه على كثرة المشاغل التي لا يستطيع أن يقوم بها بمفرده , وطلب من سيده أن يشتري له عبداً آخر ليعينه على هذه الأعمال الكثيرة .
وافق الرجل واشترى عبداً آخر , وصار العبد الأول ، يعطيه الأوامر ليعمل كذا وكذا ، وأخذ يرتاح هو ويترك أكثر الأعمال ليقوم بها العبد الجديد .
وأطاع العبد الجديد الأوامر في بداية الأمر ، ولكنه بعد أن كثرت عليه الأعمال ، ورأى أن العبد الأول لا يقوم إلا بالقليل منها ، ضجّ من ذلك , فقال للعبد القديم غاضباً : " ما الفرق الذي بيني وبينك يا سلاّم .. أنا اشتراني السنة ، وأنت اشتراك العام " !.
أي ما الفرق الذي بيني وبينك يا سلاّم فكلانا عبيد للرجل ، اشتراني أنا في هذه السنة واشتراك أنت في العام الذي قبله فكيف تعطيني الأوامر لأعمل أنا وترتاح أنت .
وهكذا عاد العبدان ليعملا سوية في خدمة الرجل دون أن يرتاح أحدٌ منهما على حساب الآخر .
في سفري الى مدينة يزد للحصول على نسخة تحتوي شرحا لزيارة عاشوراء في مكتبة المرحوم الوزيري ، التقيت بسماحة الشيخ علي اكبر السعيدي امام مسجد طهماسب وهو شيخ ذو صلاح ووقار من الملازمين للشيخ غلا مرضا اليزدي وكان معاشه من الاعمال التي كان يعملها بيده ..
فقال لي : تزوج المرحوم الحاج ابو القاسم بنت زردشتية بعد اسلامها ولم تلد اولادا وبعد عشرين سنة علموها قراءة زيارة عاشوراء فقراتها اربعين يوما مع اللعن مائة مرة والسلام مائة مرة ودعاء صفوان المعروف بدعاء علقمة فمن الله عليها بولد ذكر وكبر الولد وتزوج وقضى حياته في مدينة يزد .
تتفضل سيدة حاجية موسوية بالقول : عندما ذهبت الى الشام لزيارة مرقد السيدة زينب والسيدة رقية عليهما السلام كنت مشتاقة لزيارة مكان راس سيد الشهداء وقراءة زيارة عاشوراء فابكي بحالة روحية خاصة وفي احدى المرات حينما كنت مشغولة في القراءة والبكاء رأيت كان خوخة انفتحت لي وانتقلت الى عالم الاخرة وفي تلك الحالة كنت يقظة ولكني شاهدت واقعة كما لو كنت رايتها في عالم الرؤيا .
رايت مجموعة من النساء ومعهن والدتي وفي هذه الاثناء جاءت سيدة طويلة القامة محترمة الهيئة فتجمعت حولها النساء وكل واحدة تعرض عليها حاجتها ومشكلاتها وانا ايضا عرضت عليها حاجتي , ثم قلت لها : لماذا لا تاتين مجلس عزائنا حيث نقرا زيارة عاشوراء ؟
فتفضلت بالقول : انا اشارككم في مجلسكم هذا واعطتني العنوان والدليل وقالت : ابن خالتك وامراته حضروا مجلسكم ونذروا لقضاء حاجتهم ان يواظبوا على الحضور في مجلس زيارة عاشوراء وقراءتها عندكم وبواسطة قراءة زيارة عاشوراء قضيت حاجتهم فعلا وبنوا المنزل الجديد وسكنوا فيه ولكن من بعدها لم يحضروا مجلس جلسات زيارة عاشوراء ولم يقراوها وانا المؤلف اعرف صاحب النذر وشرحت له القصة ومجرباتها فتغير لونه وبكى وقال لزوجته : اسمعي ماذا يقولون ومن اين يخبرون ؟ وتاسف وحزن الزوج وقال : الامر صحيح كما تقول ولكن مشاكل الدنيا لم تدع لنا الفرصة لاداء ما نذرنا .
من عادة المسافر في الصحراء أنه إذا غربَتْ عليه الشمس وحلّ المساء فإنه يتّجه إلى أول بيت يلاقيه أمامه ليبيت فيه ، وبعد أن يستقبله صاحبُ البيت ويجلس ويأخذ مكانه يسأله صاحب البيت قائلاً :
- أنت قادم من سفر فهل حصلتَ على طعام ؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فإن صاحب البيت يقدّم له القهوة ويسهر معه بعض الوقت ثم يهيىء له مكاناً للنوم ويقول له : أنت مسافر والمسافر يتعب من السفر فخذ راحتك في النوم .
وعادة ما ينام صاحب البيت في فراش قريب من فراش الضيف .
أما إذا لم يصب طعاماً فإن المضيف يقدم له ما تيسر من الطعام ويأكل معه حتى يشجعه على تناول الطعام .
وظن شاعرٌ بدويّ أن الوضع في القُـرى مشابه لما تعـوّد عليـه في الصحــراء ، ولكنه وجد العكس من ذلك فكان كلما اتجه نحو بيت يقابلونه بالطرد وعدم الاستقبال حتى مرّ على ثلاثة قرى لم يستقبله فيها أحد فقال في ذلك شعراً :
ثلاث قُرى ما بهن هَبَّة الريح سِلْوَان وأبو دِيس والعيزرية
والقصيدة طويلة ولكن هذا ما يحضرنا منها ، وطارت أبيات ذلك الشاعر في هجاء هذه القرى وتسامع بها الناس فحرفها بعضهم على أنها :
ثلاث قُرى ما بهن هَبَّة الريح سِلْوَان والطُّور والعيزرية
والطور أيضاً قرية مجاورة لهذه القرى وهي تقابل المسجد الأقصى في فلسطين من الجهة الشرقية .والله أعلم .
يروى أن أحد الثعالب تعبّد في آخر حياته وأخذ يكثر من الصلاة والتهجّد ، وكان بعد أن يصلي صلاة الفجر في كل يـوم يدعـو ربه قائلاً : اللهم أَكْفِنَا شَرَّ ابن آدم .
وكان له ابن صغير يسخر منه ومن دعائه ويقول له من هو هذا ابن آدم الذي تدعو كل يوم ليقيك الله شره ، ويسكت الأب على مضض لأنه يعرف أن ابنه لم يعرك الحياة بعد ولم يفهـم أسرارهـا وخفاياها .
وذات يوم خرج الثعلب يبحث عن طعام له ولعائلته ، وخرج ابنه الصغير من جحره وأخذ يلعب ويركض هنا وهناك حتى ابتعد كثيراً عن جحره .وفجأة أبصر به بعض الفتية الذين كانوا قريباً من المكان فتربصوا له حتى أمسكوا به ، وربطوه بحبل في عنقه وأخذوا يقودونه ويجرونه ، وإذا امتنع من السير معهم يضربونه على ظهره حتى كاد يهلك من شدة العناء والضرب ، وظل مع الصبية على تلك الحال إلى ساعات المساء حيث استطاع الإفلات منهم والهرب بكل قواه حتى وصل منهكاً إلى جُحره ومأمنه .
وفي صبيحة اليوم التالي عندما صلى الثعلب الأب صلاته المعهودة وأخذ يدعو بدعائه المعتاد : اللهم قِنَا شر ابن آدم ، رفع الثعلب الصغير يديه قائلاً : وشرّ أبنائه يا أبي ، وشرّ أبنائه يا أبي .
ففهم الثعلب الأب بأن ابنه قد تعلّم درساً في الحياة سينفعه طيلة عمره .
يُحكى أن أحد المغفلين كذب في السوق وقال أن في «الدَّبَّة» وهي مكان معروف جمل مذبوح وكان من عادة الناس في ذلك الزمان انه إذا كُسر جملٌ عند أحدهم وأصبح صاحبه لا يستطيع الاستفادة منه لا في العمل ولا في حراثة الأرض أو في النقل أو غيره فإنهم يذبحونه ويوزعون لحمه على الجيران مقابل ثمن زهيد ، فهرع الناس إلى المكان لأخذ حصتهم، وعندما رأى كثرتهم ذهب يعدو خلفهم ليأخذ نصيبه ونسي انه هو الذي ابتدع هذه الكذبة . وتدل هذه القصة على سذاجة بعض المغفلين الذين يصدقون حتى الأباطيل التي يبتدعونها هم بأنفسهم .
يحكى أنَّ صديقين اتفقا على ضيافة أحد الأجواد حتى يتناولا طعام الغداء عنده ، وكانت عادة الضيافة مشهورة في ذلك الزمان ، فلم يكن وراء الناس ما يشغلهم من الأعمال ، وقد اشتهر هذان الصديقان بالكذب ،وكانا يعرفان ذلك من نفسيهما ، فقال أحدهما للآخر اسبقني أنت بضيافة فلان ، وأنا سأجيء من بعدك ، واجعل نفسك لا تعرفني ، وعندما يصافحني المضيف ، قُم وصافحني أيضاً وكأنك لم تعرفني من قبل ، وإذا كذبتُ أنا وسرحت كثيراً في الكذب فاهمزني بجنبي حتى انتبه لنفسي ، وإذا كذبتَ أنت فسأهمزك أنا ، وهكذا كان ، فذهب الأول لضيافة صاحـب البيت الذي رحّـب به وأكرم وفادته ، وبعد ذلك بقليل جاء الآخر من مكان مختلف ، وصافح صاحب البيت وصافح صديقه وجلس بجانبه وكأن لا معرفة بينهما ، وبعد أن تناولا طعام الغداء نظر أحدهما إلى بيت المضيف وقال : الحقيقة إن بيتك هذا جميل ولكنه صغير نسبياً ، وقد بنيتُ أنا بيتاً أكبر منه بكثير . فقال له المضيف : وكم طول بيتك ؟ فقال : سبعون متراً ، فهمزه صاحبه الذي بجانبـه ، فقـال المضيـف وكم عرضه فقال : متراً واحداً ، فقال له : لقد ضَيَّقْتَه كثيراً ، فقال : الله يُضَيّق على الذي يُضَيّق . وهو يقصد بذلك صاحبه الذي لم يتركه يكذب على راحته .