Ads 468x60px

الأربعاء، 5 يونيو 2013

توفيق التوبة بسبب الرفق بالحيوان

توفيق التوبة بسبب الرفق بالحيوان
نقل "الميرزا أبو القاسم" عن "اعتماد الواعظين الطهراني" أنه قال: في أحد الأعوام كان يصعب الحصول على الخبز في طهران فمرّ "المير غضب باشي" على طاق مخزن الماء فسمع صوت إستغاثة كلاب، فتحقق من الأمر فرأى كلبة وضعت حملها والتصق أولادها بها وهي خاوية من الجوع لا تستطيع إرضاعهم وليس عندها حليب لإرضاعهم وهم حولها يستغيثون.

فتأثر من ذلك، فاشترى من الخباز مقداراً من الخبز وقدمه للكلبة ووقف هناك حتى أكلت الكلبة الخبز ودرّ حليبها وشرع أولادها بالرضاعة.

عاد إلى الخباز ودفع له ثمن خبز شهر كامل يكفي لاطعام الكلبة وطلب منه إرسال عامله كل يوم لايصال الخبز إلى الكلبة، وهدده بالانتقام منه إذا انقطع حتى يوم واحد.

آنذاك كان هو ورفاقه يقيمون حفلات ضيافة متناوبة بينهم وفي كل يوم يذهبون للنزهة واللهو، ثم يتناولون العشاء سوّياً في منزل أحدهم، الى أن وصله دور استضافة رفاقه، وكان عنده امرأة بيتها في وسط مدينة طهران ومجهز بمستلزمات الضيافة، وكان قد تزوج زوجه أخرى حديثاً وأسكنها في بيت عند مدخل المدينة.

أعطى زوجته القديمة مقداراً من المال وقال لها: هذه الليلة يأتي كذا عدد من الضيوف لتناول العشاء وعليك تأمين كل مستلزمات ذلك، فقبلت زوجته بذلك، وخرج الزوج مع رفاقة الى خارج المدينة للنزهة واللهو.

صدفة طالت نزهة ذلك اليوم واستمرت الى بعض الليل، وعندما عادوا من نزهتهم قالوا له: لقد تأخر الوقت وتعبنا كثيراً فلنسترح في بيتك عند مدخل المدينة.

فقال لهم: لا يوجد في هذا البيت شيء لتناوله أما في البيت الآخر فكل شيء جاهز لاستضافتكم وعلينا الذهاب الى هناك.

لم يوافقه رفاقه على ذلك

وأصروا على المبيت في بيته الجديد والقناعة بأقل الطعام الموجود.

اضطر للقبول ما أرادوا واشترى شيئاً من الخبز واللحم المشوي وتناولوا عشاءهم هناك وباتوا ليلهم.

وفي سحر تلك الليلة استفاق الجميع على صوت استغاثته وبكائة الّلارادي فسألوه عن سبب ذلك، فقال: رأيت في منامي الامام السجاد (ع) وقال لي: "احسانك لتلك الكلاب كان محلاً لرضى الله سبحانه ولذلك حفظك الله ورفاقك من الموت هذه الليلة مقابل احسانك ذاك، حيث ان زوجتك القديمة غاضبة منك وقد أعدت لك سمّاً ووضعته في المكان الفلاني من المطبخ لتدسّه في طعامك، اذهب غداً وخذ السم واياك أن تؤذيها، وان شئت خلّ سبيلها بخير.

ثم ان الله يوفقك للتوبة، وستتشرف بزيارة قبر والدي الحسين (ع) بعد أربعين يوماً".

وفي الصباح قال لرفاقه لنذهب سوياً إلى بيتي وسط المدينة للتحقق من صدق رؤياي فذهبوا سوياً إلى البيت، وعندما دخلوا اعترضت عليه زوجته وسألته: لِم لم تأتِ في الليل؟ فلم يعتنِ بها ودخل مع رفاقه إلى المطبخ وحيثما قال له الإمام السجاد (ع) وجد السم فأخذه وقال لزوجته: ماذا كنت تنوين فعله لنا؟ لولا أمر الإمام لانتقمت منك: كني سأحسن إليك بأمر مولاي فاذا كنت ترغبين الى البقاء في البيت نفسه فابقي فيه وسأبقى معك كأنك لم تفعلي شيئاً، وإذا كنت ترغبين الى الفراق أطلقك، وأي شيء تريدين اُعطيك.

رات المرأة ان أمرها قد فضح ولا يمكنها العيش معه مجدداً فطلبت منه الطلاق. فطلقها بإحسان وسرّها وتركها.

ثم استقال من عمله وقبلت استقالته، فانشغل بالتوبة وأداء الحقوق والمظالم التي عليه، وبعد أربعين يوماً تشرف بزيارة كربلاء وبقي فيها حتى وافاه الأجل والتحق برحمة الحق تعالى.

***

الكثير من الروايات تضمنت ذكرا لآثار الإحسان إلى المخلوقات حتى وإن كان ذلك الحيوان كلباً، حتى يصبح ذلك الإحسان في بعض الأحيان سبباً لحسن العاقبة والمغفرة الإلهية.

والشواهد على ذلك كثيرة من جملتها ما جاء في المجلد الرابع عشر من كتاب "بحار الأنوار" نقلاً عن كتاب "حياة الحيوان" للدميري عن رسول الله (ص) انه قال: إمرأة كانت تسير في الصحراء وكانت شديدة العطش إلى ان وصلت إلى بئر وكان في قعره ماء، فنزلت إلى قعره وشربت الماء حتى ارتوت، ثم لما خرجت منه وجدت كلباً يلتهم الرمال الرطبة لشدة عطشه، فقالت في نفسها هذا الكلب المسكين عطشان مثلي، ورق قلبها له فادت إلى الماء بمشقة حتى وصلته فملأت حذاءها بالماء وأمسكت به بأسنانها وصعدت من البئر وروت الكلب. فتقبل الله منها هذا العمل وغفر لها.

قالوا يا رسول الله: وهل من أجر لنا في إحساننا للحيوانات؟

قال: نعم في كل كبد حرّى برطبة أجر.

ونقل في نفس الكتاب أنّ رسول الله (ص) قال: ليلة المعراج دخلت الجنة فرأيت صاحب الكلب الذي أرواه من الماء.

إذا كان الأحسان للحيوان عند الضرورة موجباً للعفو والمغفرة وحسن العاقبة فكيف بالإحسان وإغاثة الإنسان وخاصة المؤمن.

يمكنك مراجعة كتاب "الكلمة الطيبة" للشيخ النوري فقد نقل فيه روايات وقصص في هذا المجال.
Read more

كل نصيحة ببعير

كل نصيحة ببعير

يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ الأردن ، وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .

وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .

ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .

وسار الرجل ما شاء الله له أن يسير ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في التجارة .

فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟

فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح .

فقال الرجل : تبيع نصائح ، وبكم النصيحة ؟!

فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير .

فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟

فقال له الشيخ :" إذا طلع سهيل(1) لا تأمَن للسيل " .

ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات . وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر .

فقال له الشيخ : " أبو عيون بُرْق(2) وأسنان فُرْق(3) لا تأمن له " .

وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ، فقال والله لأغامرنّ حتى النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ، فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .

فقال له : " نام على النَّدَم ولا تنام على الدم " .

ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشٍ وسار في طريقه ، وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر ، وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم من العربان قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم طلع نجم سُهيل ، وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ(4) ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .

وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والعربان ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي . وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وأنعق(5) لها فتبعته وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به " ذو عيون بُرْق وأسنان فُرْق " فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء .

وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .

وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ، فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق(6) ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول " نام على الندم ولا تنام على الدم " ، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح ، وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ، واستقبله أهل بيته وقالوا : والله من زمان يا رجل ، لقد تركتنا منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم وقال بينه وبين نفسه والله إن كل نصيحة أحسن من بعير ، وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب .

__________________________________________
(1) - سُهَيل : نجمٌ يطلع في أواخر القيظ .
(2) - هو الذي في عينيه بريق يدلّ على الخيانة والغدر .
(3) - هو الذي بين ثنيتيه الأماميتين فراغ ظاهر .
(4) - الجاعد : هو جلد الخروف يجفف وينظف بالملح حتى يصبح طرياً ، ويعمل من فرائه بطانة للمعاطف ، ويُلبس أحياناً في الصحراء كما هو ، ويستعمل كفِراشٍ صغير يجلس عليه .
(5) - أنْعَقَ : سار أمام الماشية ودعاها فتبعته .
(6) - الرّواق : الساتر الغربي من الخيمة .
Read more

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

موعظة كالرصاصة في القلب

الموعظه الحسنة - موعظة كالرصاصة في القلب

المخلص لولاية أهل بيت الرسول (ص) ((الميرزا أبو القاسم العطار)) نقل عن العالم الكبير ((الشيخ عبد النبي النوري)) الذي كان من تلامذة الحكيم الإلهي ((الملا هادي السبزواري)) قوله: في أحد الأيام من سنة الأخيرة من عمر ((الملا السبزواري)) أتى شخص إلى مجلسه وأخبر انه وجد شخصاً في المقبرة نصف جسده في القبر والنصف الآخر خارج القبر وهو ينظر إلى السماء دائماً ومهما ازعجه الأطفال لا يهتم لهم.

فقال ((الملا)) أريد ان التقيه بنفسي، وعندما رآه تعجب كثيراً واقترب منه، فلم يعتن ذاك به، فقال له الملا: من أنت وماذا تفعل، فإني لا أراك مجنوناً، وتصرفك هذا غير عقلائي.

فأجابه ذلك الشخص قائلاً: اني شخص جاهل لا أعلم شيئاً، استيقنت من شيئين وصدقتهما:

الأول: استيقنت من أن خالقي وخالق هذا العالم ذو شأن عظيم ولا يجوز التقصير في معرفته والعبودية له.

الثاني: استيقنت من اني سوف لن أبقى في هذا العالم وسأذهب إلى عالم آخر، ولا أدري ما هو حالي في ذلك العالم. فيا حضرة الملا ها قد أصبحت بائساً ومضطرباً لما علمت حتى اعتبرني الناس مجنوناً، وانت تعتبر نفسك عالم المسلمين وعندك كل هذا العلم فلماذا لا تتألم ولا تخاف ولا تفكر؟ هذه الموعظة كانت بمثابة رصاصة استقرت في قلب الملا فعاد بعد أن صدم واضطرب وقضى ما بقي من عمره في التفكير الدائم في سفر إلى الآخرة وتحصيل زاد هذا الطريق اخطر وبقي على ذلك حتى غادر الدنيا.

***

أي شخص وفي أية منزلة كان فهو بحاجة لسماع الموعظة والنصيحة، فإنه إن كان عالماً بما يسمع فتكون تلك الموعظة تذكيراً له لأن الإنسان ينسى وبحاجة إلى مذكر ومنبّه دائم، وإن كان السامع جاهلاً بما يسمع فإن الموعظة والعبرة تمثل له طلب علم وكسب معرفة.

ومن هنا جعل القرآن الكريم طلب الخير للآخرين واسداء النصيحة لهم واجباً على كل مسلم وقال ﴿وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾[1]، وإذا كان اسداء النصح للآخرين واجباً وقد أمر الله به فإن استماع النصائح وقبولها واجب كذلك، حيث أن الأمر بالوعظ للاستماع والتقبل والعمل به لذلك نجد أن القرآن الكريم في مواضع كثرة قال ﴿فهل من مدّكر﴾ أي انه هل من يستمع النصايح والمواعظ الإلهية ويقبلها فيجريها.

واعلم أنَّ للموعظة أثراً حتمياً على المتلقي وإن كان أثرها في بعض الأحيان مؤقتاً ومحدوداً، ويجب نبذ التعالي عن الحضور في مجالس الوعظ والإرشاد والاستماع إلى الموعظة والنصيحة من أي شخص كانت وفي أية منزلة كانت.

نقل عن مسلمة انه قال: ذهبت إلى دار عمر بن عبد العزيز مصبحاً وصلّيت الصبح فيه وحيداً، وبعد الفراغ منها أتت أمة صغيرة ومعها قبضة من التمر، حملت قدراً منه وقالت: يا مسلمة لو أكل رجل هذه التمرات وشرب بعدها الماء فهل يكفيه ذلك؟

قلت: لا أدري.

فأخذت قسماً آخر منه وقالت وهذا؟

قلت: نعم هذا يكفيه، وحتى أقل منه، ولو أكل هذا وبقي حتى الليل لا خوف عليه ان لم يأكل أي طعام غيره.

قالت: إذن فلم يذهب الإنسان بنفسه إلى النار؟

أي انه إذا كانت قوت يومه فلم يحر في طلب مال الدنيا ولا يمتنع عن المحرمات الإلهية ويلقي بنفسه في جهنم؟

قال مسلمة: لم تؤثّر فيَّ موعظة كهذه أبداً.

المقصود هو أن الإنسان لا يعلم أي الكلام والنصح سيؤثر فيه، فمسلمة كان قد سمع المواعظ الكثيرة لكن هذه أخذت منه أكثر من غيرها.

وهناك قصة أُخرىٰ مشهورة ونقلها بعض المفسّرين، وهي أنّ ((فضيل بن العياض)) قضى مدة من عمره في الطغيان والعصيان، وفي احدىٰ الليالي كان يتبع قافلة ليسطو عليها، وبينما هو كذلك اذ يترامى إلى مسامعه صوت قارىء القرآن وهو يقول ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله﴾[2] فأخذت الآية في قلبه مأخذاً وأحيته وايقظته فقال: نعم آن ذلك. وعاد عن طريقه وتاب توبة كاملة وادىٰ الحقوق التي عليه وأرضى كل من كان له عليه حق إلى أن أصبح من الصالحين.

وكذلك نقل أنّ شخصاً من الاثرياء مرّ عليه واعظ وهو يقول عجبت من ضعيف يعصي قوياً.

فأثرت فيه هذه الموعظة وأقلع من ارتكاب المعاصي وتوجه نحو الخير حتى أصبح من صلحاء قومه. ولعله سمع المواعظ والحكم الكثيرة لكن الله سبحانه جعل نجاته بشكل نهائي ويقظته في هذه الكلمة.

وقيل لعبدالله بن مبارك إلى متى تمضي في طلب العلم والحديث؟ قال: لا أدري لعلي لم أسمع حتى الآن الكلام الذي فيه صلاح أمري.

ولذلك كان العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري يدعو وهو على المنبر ويقول: اللهم اجعل مجلسنا هذا مجلس موعظة، ويقول: مجلس الموعظة هو المجلس الذي إذا حضره أو سمعه أحد من أهل المعصية ندم وترك الذنوب، وإذا حضره أحد من أهل الطاعة ازداد شوقه لطاعة الله وازداد سعيه نحو الاخلاص.

وبشكل عام فعلى العالم وغير العالم الحضور في مجالس الوعظ بهدف الانتصاح والاتعاظ والانتباه والعمل بما سمع، فيحضر الجاهل ليتعلم ويحضر العالم ليتذكر. والأخبار الواردة في فضيلة مجلس الموعظة كثيرة ويكفي لمعرفة أهمية الموعظة أن نعلم انها غذاء للروح وحياة للقلب كما قال أمير المؤمنين (ع) لولده الحسن (ع) ((أحيي قلبك بالموعظة)). وهي رادةّ للنفس والشيطان ومنجية من الشر ودافعة للوساوس والاضطرابات وموجدة للأمن وراحة البال ﴿ءالا بذكر الله تطمئن القلوب﴾[3]. وكم من شخص دفعه ضغط الوسواس والتخيلات الشيطانية الى الانتحار، ثم استبدلوا ذلك بالطمأنينة وراحة البال اثر سماعهم لموعظة.

ومن لم يتيسر له الحضور في مجالس الوعظ ولقاء من يعظه فعليه الرجوع إلى المواعظ المدونه للاستفادة منها والاتعاظ بها وعلى رأسها القرآن المجيد فيقرأه بدقة وتدبر ويطلع على تفسيره، وليقرأ نهج البلاغة وشرح الخطب البليغة لأمير المؤمنين (ع) التي يشرح ويبين فيها معاني آيات القرآن المجيد، وليقرأ المجلد السابع عشر من كتاب البحار لما فيه من مواعظ الرسول (ص) وأئمة الهدى من أهل بيته (ع)، ثم فليقرأ الكتب الاخلاقية ((كمعراج السعادة)) للنراقي و((عني الحياة)) للمجلسي وسائر الكتب التي امتلأت بمواعظ كبار علماء الدين.


------------------------------
-[1] سورة العصر، الآية: 3
[2]- سورة الحديد، الآية: 16
[3]- سورة الرعد، الأية: 28
Read more

فراسة فتاة انقذت الصبي من ظلم أبيه المزعوم

فراسة فتاة انقذت الصبي من ظلم أبيه المزعوم

يُحكى أن شيخاً طاعناً في السنّ راودته فكرة الزواج بعد وفاة زوجته ، فطلب من أبنائه أن يبحثوا له عن فتاة علَّهم يجدوا مَنْ توافق على الزواج منه ، واستغرب الأبناء هذا الطلب الذي جاء في غير أوانه ، خاصة وأن أباهم رجل شيخ وفي مثل هذه العمر المتقدمة . غير أن إصرار أبيهم ، وعدم رغبتهم في إغضابه جعلهم ينزلون عند رغبته ، ويحاولون تلبية طلبه .

وبعد فترة قصيرة من البحث وجدوا فتاة في مقتبل العمر توافق على الزواج من أبيهم الشيخ فخطبوها إليه ، وبعد أن تهيأت خلال عدة أيام زفُّوها إليه ، ودخل الشيخ على عروسه الشابّة وقضى ليلته عندها ، ولكنه في صبيحة اليوم التالي لم يخرج ، وعندما استبطأه أبناؤه ذهبوا إلى خيمته الصغيرة التي تزوّج فيها فوجدوه على فراشه وقد فارق الحياة .

أُسْقِطَ في يد الأبناء لوفاة والدهم ، فجهزوه ودفنوه ، وعادت العروس بعد ذلك إلى بيت أهلها بعد هذا الزواج القصير .

وجاءها من يخطبها من أقاربها فزوّجوها إليه قبل انقضاء العدّة الشرعية ، وبعد فترة الحمل أنجبت لزوجها الجديد ابناً ذكراً ، ثم أنجبت له بعد ذلك أولاداً آخرين .

وكان الابن الأكبر يساعد أباه في أعماله ويعينه في شؤونه ، غير أن الأب كان لا يمنحه أي شعور بالمحبة ، ولا يجعله يشعر بأي شيءٍ من حنان الأبوة ، بعكس إخوانه الآخرين ، الذين كان يعاملهم بكلّ رفق ، ولا يضنّ عليهم بشيء ، بل إن الأب كان يضرب ذلك الابن دائماً ، ويعامله بكل فظاظة وقسوة ، ولا يجد له رحمة في قلبه .

وكبر الولد مع إخوانه وعاش ظروفاً قاسية ، وكان دائماً عوناً لأبيه في أعماله ، برغم كلّ هذه المعاملة القاسية التي يعامله والده بها ، وفي أحد الأيام ذهب الوالد ليعمل في حراثة الأرض على جملِهِ ومعه ابنه هذا ، ولأسباب تافهة ثارت أعصاب الأب وقام بضرب ابنه ضرباً مبرحاً آلمه كثيراً مما جعله يهرب من بين يديه ويهيم على وجهه ، وظلَّ الصبيّ يعدو حتى وصل إلى خيمة يقيم بها عدة أخوة وحولهم أغنامهم ومواشيهم ، فاستجار بهم من ظلم أبيه وقال لهم : أنقذوني من أبي فقد ضربني حتى كاد يقتلني ، فَهَدَّأَ أصحاب البيت من روعه وأعطوه ماءً ليشرب ويهدأ قليلاً ، وبعد أن استراح بعض الشيء حدثهم عن معاملة أبيه القاسية له بعكس إخوانه الذين يعاملهم معاملة طيبة رقيقة ، أما هو فمحروم من كل شيء ، وهو يشغله معه في الحراثة ورعي الأغنام ونَشْل الماء لها من البئر ، وغير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يطلبها من أبنائه الآخرين ، وشعر صاحب البيت بميلٍ شديد نحو الصبي فسأله: ومن هو أبوك ؟ فقال : أنا ابن فلان ، وسأله أيضاً : ومن هي أمك ؟ فقال : أمي فلانة بنت فلان . فقال صاحب البيـت : أنت لسـت ابناً لهذا الرجـل ، بل أنت أخي أنا ، فقال له الصبي : وكيف أصبحت أخاً لك وأنا لم أشاهدك في حياتي قبل هذه المرة ، فقال الرجل : لا تستعجل فسأخبرك بذلك في حينه ، وبعد ساعة من الزمن جاء أبو الصبي يريد أخذ ابنه من عندهم لأنه كان يتبعه وهو يهرب منه ، ولكن الأخ الأكبر قال له : هذا ليس ابنك أيها الرجل ، بل هو أخي . فقال الرجل : كيف أصبح أخوك خلال هذه الساعة ، إنه ابني ولكن يبدو أنه جرى لعقـلك شـيء ، أو تكـون قد جننت حقاً ؟!.

فقال الأخ الأكبر : لن أتركه لك إلا بعد أن نتقاضى ونحتكم عند أحد الشيـوخ ، فإن كان ابنك فخذه ، وإن كان أخي سآخذه أنا ، وقال له سنلتقي غداً في بيت الشيخ فلان ، فهل ترضى به حَكَمَاً بيننا ، فقال الرجل : ونعم الشيخ هو ، واتفقا أن يجتمعا عنده في اليوم التالي ليفصل بينهما في هذه القضية المعقدة ، وفي اليوم التالي ذهب الأخوة ومعهم الولد إلى بيت الشيخ المذكور ، ثم جاء غريمهم أبو الولد ، وكان بيت الشيخ بعيداً فما وصلوه إلا في ساعات العصر ، فرحب بهم الشيخ واستقبلهم استقبالاً حسناً ، وبعد أن استراحوا ، شرح كل واحد منهم حجته لذلك الشيخ ، فقال لهم : لن أحكم بينكم قبل أن أقدّم لكم واجب الضيافة ولكنني أريد من هذا الصبي أن يساعدني في بعض الأمور ، ودعا الشيخ الصبي ليفهمه ما يريد منه فخرج معه إلى جانب البيت ، فقال له الشيخ : أنت ترى يا ابني إنكم ضيـوف عندي ، ولا بد من عمل القِرَى لكم ، وأغنامي بعيدة ، وأريد منك أن تذهب إليها فهي ترعى قرب الوادي الفلاني ومعها ابنتي ، فغافِل ابنتي واسرق منها خروفاً واحمله وأحضره إليّ لكي أعمله عشاءً لكم ولا تدع الفتاة تراك أو تحسّ بك .

فذهب الصبي وغافل الفتاة ثم حمل خروفاً كبيراً وسار يعدو به حتى أحضره إلى الشيخ الذي ذبحه وأعدّ منه عشاءً لهم . وفي ساعات المساء وبعد أن تناول المختصمون عشاءهم عند ذلك الشيخ عادت الفتاة ومعها أغنامها إلى البيت فجاءت إلى أبيها وعلى وجهها ملامح الحزن وقالت لأبيها وعلى مسمع من الضيوف : لقد ضاع مني اليوم خروف يا أبي .

فقال لها : وكيف ضاع منك ؟ هل أكله الذئب ؟

فقالت : لا بل سُرِق .

فقال لها : وهل رأيت الذي سرقه ؟

فقالت : لا ولكنني عرفته .

فقال لها : كيف عرفتِه ولم تبصره عيناكِ ؟

فقالت : وجدت أثر أقدامه فعرفته من أثره ، فهو صبي أمّه شابّة وأبوه شيـخ هَـرِم .

فقال لها أبوها : وكيف تثبتي لي ذلك ؟

فقالت : إن أثره صغير كأَثَرِ صبي لم يبلغ بعد .

فقال أبوها : حسناً ولكن كيف عرفت أنه ابن شيخ هرم ؟

فقالت : عرفته من أثره أيضاً ، فوجدت خطواته مرة تكون طويلة ومتباعدة ومرةً تكون قصيرة ومتقاربة ، فعرفت إنه عندما كان يأتيه العزم والقوة من ناحية أمه ، فكان يعدو فتبعد خطواته عن بعضها البعض ، وعندما تأتيه القوة من عند أبيه فكـان يتعب فتقصر خطواته ، فعرفت أن أمه شابّة وان أباه شيخ هرم.

فقال لها الشيخ : اذهبي الآن يا ابنتي وسنبحث عن الخروف فيما بعد .

ثم نظر إلى ضيوفه وقال لهم : هل سمعتم ما قالته الفتاة ؟

فقالوا : نعم سمعنا .

فقال الشيخ : وبذلك تكون قد حُلّت القضية ، فأما أنت أيها الرجل فالصبي ليس ابناً لك ، وأما أنت أيها الصبي فالحق بإخوانك وعد إلى أهلك .وبهذا أكون قد حكمت بينكم .

وبذلك تكون فراسة الفتاة البدوية حكماً فطرياً أنقذ الصبي من ظلم أبيه المزعـوم ، وأعاده إلى حضن إخوانه الذين فرحوا كثيراً بعودته إليهم .
Read more

الاثنين، 3 يونيو 2013

النجاة من القبر بعد الدفن

القبر - النجاة من القبر بعد الدفن

الفاضل المحقق ((الميرزا محمود الشيرازي)) الذي نقلنا عنه عدة قصص نقل عن ((السيد زين العابدين الكاشي)) أعلا الله مقامه انه نقل عن خادم تبريزي لحرم الحسين (ع) ومن أهل التقوى والصلاح والسداد قوله: قبل أن أجاور قبر سيد الشهداء (ع) بكربلاء كان لي مقهى خارج مدينة تبريز قرب المقبرة وكنت أنام الليل داخل المقهى، وفي احدى الليالي كان الجو قارساً من البرد فأقفلت باب المقهى بإحكام ونمت، وفجأة طرق أحد الباب بقوة، ففتحت الباب ففر الطارق. ثم عدت وأغلقت الباب فطرقه بقوة أكثر بالمرة الثانية فنهضت وفتحت الباب ففر الشخص ثانية.

فقلت سيزعجني هذا الشخص الليلة، فأحضرت عصاً أنتظره خلف الباب لانتقم منه، وما أن طرق الباب بالمرة الثالثة حتى فتحت الباب وتبعته فدخل المقبرة ودخلتها خلفه ثم غاب عن نظري، فتوقفت في نفس النقطة وفتشت عنه معتقداً أنه مختبئ في نفس المكان. فاستلقيت هناك أنتظر ظهوره من مخبأه.

وما أن استلقيت ولاقت أذني الأرض سمعت صوتاً ضعيفاً لشخص ينوح تحت التراب فالتفت الى أنّ القبر جديد وأنّ الميت قد دفن عصراً وعلمت أنه مات بسكته قلبية وها هو قد عاد إلى وعيه فرقّ قلبي لحاله ونبشت قبره لأخلّصه وفتحت لحده فسمعته يقول: أين أنا؟ أين أبي؟ أين أمي؟.

فألبسته الثياب ثم أخرجته وذهبت به الى المقهى، لكني لم أعرفه لاُخبر أهله وسألته شيئاً فشيئاً عن منطقته وبيته، فخرجت من المقهى في نفس الليلة ووجدت والديه وأخبرتهما بما جرى فحضرا وأخذاه إلى البيت سالماً، وعرفت حينها ان الشخص الطارق لم يكن سوى مأمور من الغيب لانقاذ ذلك الشاب.
Read more

إشتغل في صنعة أبيك

لص سارق مؤمن

يُحكى أنه كان هناك شابّ زاهد متعبّد يرتدي ثياب الزاهدين ، من ثوبٍ أبيض وعمامة خضراء وغيرها ، وكان هذا الشاب هو الذي يعيل أمه وإخوانه بعد وفاة والده ، وفي ذات يوم ضاقت في وجهه سبل العيش ولم يجد عملاً ، أو أي شيء يرتزق منه ، وكان يتمشّى في أحد الأيام في سوق البلدة والحزن يخيّم عليه وعلامات اليأس والقنوط ترتسم على وجهه ، فرآه شخصٌ من معارفه ، وسأله ما الذي بك يا فلان ؟ أراك على غير وضعك الطبيعي ، فأخبره عن حاله وعن الوضع الماديّ الصعب الذي يعيشه . فقال له : إعمل يا أخي في صنعة أبيك وتوكّل على الله . ولما كان الشابّ لا يعرف ما هي صنعة أبيه لأن والده مات وهم صغار توجّه إلى أمه وسألها قائلاً : ماذا كان أبي يعمل يا أمي ، وما هي صنعته ؟ فتغيّر وجه الأمّ وأصابها شيء من الوجوم وقالت بشيءٍ من عدم المبـالاة : كان أبوك يعمل في التجارة يشتري ويبيع ويربح ويرتزق من ذلك ، غير أن الشابّ لم يقتنع بهذا الكلام فقال لأمه : والله إن لم تخبريني عن صنعة أبي لأتركنّ هذا البيت ولن أعود إليه مرة أخرى . ولما رأت الأمّ الإصرار في نبرات ابنها وفي نظرات عينيه ، وأيقنت أنه يعني ما يقول تنهدت وهي تقول : وماذا كان يصنع أبوك يا ابني ؟! كان لصاً يحمل عَتَلَةً(1) ونَبُّوتَاً(2) وهذه هي أدوات صنعته ، فيفتح أبواب الناس خلسـة في الليل بالعتلة ، ويضرب بالنبوت من يجيء في وجهه من الناس ، لقد قضى أبوك أكثر أيام حياته هائماً على وجهه في الجبال مطارداً من الناس ومن الحكومة ، وقضى بقيّة أيامه في السجون ، وكنت لا أراه في السنة إلا لأيام قليلة ، وصدّقني إني كنت أتمنى له الموت حتى يريحني ويريح نفسـه . وسكتت الأم بعد أن أفرغت ما لديها من كلامٍ طالما كتمته ولم تُصرّح به ، ولكن دمعات خفيفة كانت تتدحرج من مقلتيها .

أما الشابّ فذهب إلى السوق وإشترى عتلة ونبوتاً ، وقرّر أن يشتغل في صنعة أبيـه ، وبعد منتصف الليل سار لوحده يحمل أدواته المذكورة حتى وصل إلى قرية مجاورة ، وكان الظلام حالكاً والليلة غير مُقمرة مما يُسهِّل مثل هذه الأعمال ، وتوجّه إلى أول بيتٍ صادفه في طرف البلدة ، وبالعتلة الحديدية فتح الباب الخشبي بخفة ورشاقة دون أن يُحدث صوتاً أو ضجّة ، ونظر داخل الغرفة وإذا برجل وامرأة ينامان على سريرهما ، فأغلق الباب وقال : أعوذ بالله من أعمال الشيطان ، وأخذ يلوم نفسه ويقول : من أعطاني الحقّ في فتح بيوت الناس وكشف أسرارهم وعوراتهم ، ثم ترك البيت وذهب للبيت المجاور ، وبخفة ورشاقة فعل به كما فعل بالبيت الأول ، وإذا بفتاة وحيدة تنام على سريرها ، فتعوّذ بالله من الشيطان مرة أخرى وأغلق الباب ، وقال لنفسه : إنّ هذه الأعمال التي أقوم به هي أعمال لا يرضاها الله ، فترك هذا البيت وسار إلى البيت الذي يجاوره ، وفتح بابه بعتلته كما فتح سابِقَيه ونظر داخله وإذا به يرى بضعة جِرَار ، فقال الآن أصبح الوضع أحسن مما كان عليه في الأوّل ، ثم دخل وفتح جرّةً من هذه الجرار وإذا بها مليئة بالقطع الذهبية والنقديّة ، وفتح بقية الجرار ، ونظر داخلها وإذا بها مثـل الجرّة الأولى ، فقال لنفسه : إن هذا المال له أصحاب ادَّخروه ووفّروه وتعبوا من أجله ، فمن أعطاني الحقّ في سرقته ، والله لن أسرقه ولكنني سآخذ منه الزكاة ، سأقسمه وآخذ منه العُشْر ، فأشعل سراجاً كان هناك وأفرغ واحدة من هذه الجرار ، وبدأ يعدّ ويخرج تسعة قطع ويضعها في ناحية ، ويضع قطعة واحدة في ناحية أخرى ، وهكذا وهو على هذه الحالة يعدّ تسعة هنا وواحدة هناك أذَّنَ مؤذّن البلدة لصلاة الفجر ، فترك العدّ وفَرَشَ عباءته وأخذ يصلّي الفجر ، ومرّ الناس إلى المسجد فرأوا البيت مفتوحاً والسراج مضيئاً فتنافروا وأتوا بهراواتهم وعصيهم ، وتحلّقوا حول الرجل ، ولكن عندما رأوه يصلّي تركوه حتى يكمل صلاته ، وبعد أن فرغ من الصلاة أحاطوا به وقالوا له : ما الذي تعمله هنا ؟ وكيف تفتح بيوت الناس وتأخذ أموالهم ؟ وما الذي تعمله في هذا المال حتى جعلته كومين : فقال لهم : أتركوني وسأخبركم بالحقيقة ، ثم سرد عليهم قصته بكاملها ، فقال أحدهم وكان أكثر الناس لغطاً : أما البيت الأوّل الذي فتحته ورأيت به الرجل والمرأة وسترتهم وأغلقت عليهم الباب ، فهذا بيتي والرجل الذي رأيته هو أنا والمرأة زوجتي ، أما البيت الثاني الذي فتحته ورأيت به الفتاة وسترتها وأغلقت عليها الباب فهذا بيتي أيضاً والفتاة هي ابنتي الوحيدة ، أما البيت الثالث الذي به المال وهو هذا البيت ، والذي لم ترضَ أن تسرق منه المال بل اكتفيت منه بالزكاة فهو بيتي أيضاً وهـذا مالي ، ولأنك شابّ مؤمن وتقيّ فقد زوجتك ابنتي الوحيدة التي رأيتها وقاسمتك في مالي هذا الذي بين يديك ، وأعطيتك بيتاً من هذه البيوت تعيش فيه مع زوجتك ، فخرَّ الشابُّ راكعاً لله يشكره ويحمد فضله ، على أن هداه وأبعد عنه إغواء الشيطان ، ثم ذهب إلى بلده وأتى بأمه وإخوانه ليعيشوا معه في هذا العزّ الذي لم يكن يحلم بـه .

وهكذا نرى مدى تأثير الإيمان على النفوس ، وعلى الأخلاق السامية النبيلة ، وكيف تقود الإنسان إلى عمل الخير ونبذ الشر والفساد .

_____________________________
(1) - العَتَلَة : عمود من الحديد له رأس عريض يستعمله البنَّاءُ ،ويُهدم به الحائط .
(2) – النبّوت : العصا الغليظة المستوية .
Read more

الأحد، 2 يونيو 2013

كثرة اللقم تطرد النقم

النجاة من الحية -  كثرة اللقم تطرد النقم

يحكى أن امرأةً رأت في الرؤيا أثناء نومها أنَّ رجلاً من أقاربها قد لدغته أفعى سامة فقتلته ومات على الفور ، وقد أفزعتها هذه الرؤيا وأخافتها جداً ، وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى بيت ذلك الرجل وقصّت عليه رؤياها وعَبَّرَت له عن مخاوفها ، وطلبت منه أن ينتبه لما يدور حوله ، ويأخذ لنفسه الحيطة والحذر .

فنذر الرجلُ على نفسه أن يذبح كبشين كبيرين من الضأن نذراً لوجه الله تعالى عسى أن ينقذه ويكتب له السلامة من هذه الرؤيا المفزعة.

وهكذا فعل ، ففي مساء ذلك اليوم ذبح رأسين كبيرين من الضأن ، ودعا أقاربه والناس المجاورين له ، وقدم لهم عشاءً دسماً ، ووزَّعَ باقي اللحم حتى لم يبقَ منه إلا ساقاً واحدة .

وكان صاحب البيت لم يذق طعم الأكل ولا اللحم ، بسبب القلق الذي يساوره ويملأ نفسه ، والهموم التي تنغّص عليه عيشه وتقضّ مضجعه ، فهو وإن كان يبتسم ويبشّ في وجوه الحاضرين ، إلا أنه كان يعيش في دوامة من القلق والخوف من المجهول .

لَفَّ الرجلُ الساقَ في رغيفٍ من الخبز ورفعها نحو فمه ليأكل منها ، ولكنه تذكّر عجوزاً من جيرانه لا تستطيع القدوم بسبب ضعفها وهرمها ، فلام نفسه قائلاً : لقد نسيت تلك العجوز وستكون الساق من نصيبها ، فذهب إليها بنفسه وقدّم لها تلك الساق واعتذر لها لأنه لم يبقَ عنده شيء من اللحم غير هذه القطعة .

سُرَّت المرأةُ العجوز بذلك وأكلت اللحم ورمت عظمة الساق ، وفي ساعات الليل جاءت حيّة تدبّ على رائحة اللحم والزَّفَر(1) ، وأخذت تُقَضْقِضُ(2) ما تبقى من الدهنيات وبقايا اللحم عن تلك العظمة ، فدخل شَنْكَل(3) عظم الساق في حلقها ولم تستطع الحيّة التخلّص منه ، فأخذت ترفع رأسها وتخبط العظمة على الأرض وتجرّ نفسها إلى الوراء وتزحف محاولة تخليص نفسها ، ولكنها عبثاً حاولت ذلـك ، فلم تُجْدِ محاولاتها شيئاً ولم تستطع تخليص نفسها .

وفي ساعات الصباح الباكر سمع أبناء الرجل المذكور حركة وخَبْطاً وراء بيتهم فأخبروا أباهم بذلك ، وعندما خرج ليستجلي حقيقة الأمر وجد الحيّة على تلك الحال وقد التصقت عظمة الساق في فكِّها وأوصلها زحفها إلى بيته ، فقتلها وحمد الله على خلاصه ونجاته منها ، وأخبر أهله بالحادثة فتحدث الناس بالقصة زمناً ، وانتشر خبرها في كلّ مكان ، وهم يرددون المثل القائل : كثرة اللُّقَم تطرد النِّقَم .


_____________________________
(1) - الزَّفَر : لحم المواشي المشويّ ودهنها ، أما لحم الطيور فلا يُعدّ من الزَّفَر لأنه لا يحتوي على الشَّحم . وتَزَفَّـر : أكل لحماً بعد قَرَم .
(2)- القضقضة : مصمصة العظام ، وصوتها عند كسرها .
(3)- الجهة المعقوفة منه .
Read more