عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في مسجد النبي صلى الله عليه وأله : إنّ إبليس اللّعين هو أول من صوّر صورة على مثال آدم عليه السلام ليفتن به الناس ، ويضلّهم عن عبادة اللّه تعالى ، وكان «ودّ» في ولد قابيل وكان خليفة قابيل على ولده وعلى من بحضرتهم في سفح الجبل يعظّمونه ويسوّدونه .
فلمّا أن مات «ودّ» جزع عليه إخوته وخلف عليهم إبنا يقال له : «سواع» فلم يغن غناء أبيه منهم فأتاهم إبليس في صورة شيخ فقال : قد بلغني ما أصبتم به من موت «ودّ» عظيمكم ، فهل لكم في إن اُصوّر لكم على مثال «ودّ» صورة تستريحون إليها وتأنسون بها ؟
قالوا : افعل . فعمد الخبيث إلى الآنك(1) فأذابه حتى صار مثل الماء ، ثمّ صوّر لهم صورة مثال «ودّ» في بيته فتدافعوا على الصورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها ، وأحبّ «سواع» أن يكون التعظيم والسجود له ، فوثب على صورة «ودّ» فحكّها حتى لم يدع منها شيئا وهمّوا بقتل «سواع» ، فوعظهم وقال : أنا أقوم لكم بما كان يقوم به «ودّ» ، وانا ابنه ، فإن قتلتموني لم يكن لكم رئيس ، فمالوا إلى «سواع» بالطاعة والتعظيم فلم يلبث «سواع» أن مات ، وخلف إبنا يقال له : «يغوث» فجزعوا على «سواع» فأتاهم إبليس وقال : أنا الّذي صوّرت لكم صورة «ودّ» ، فهل لكم أن أجعل لكم مثال «سواع» على وجه لا يستطيع أحد أن يغيّره .
قالوا : فافعل ، فعمد إلى عود فنجره ونصبه لهم في منزل «سواع» ، وانّما سمّي ذلك العود خلافا لأنّ إبليس عمل صورة «سواع» على خلاف صورة «ودّ».
قال : فسجدوا له وعظّموه ، وقالوا «ليغوث» : ما نأمنك على هذا الصنم أن تكيده كما كاد أبوك مثال «ودّ» فوضعوا على البيت حرّاسا وحجّابا ، ثم كانوا يأتون الصنم في يوم واحد ويعظّمونه أشدّ ما كانوا يعظّمون «سواعا» ، فلمّا رأى ذلك «يغوث» قتل الحرس والحجّاب ليلاً ، وجعل الصنم رميما ، فلمّا بلغهم ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم إلى أن طلبوه ورأسوه وعظّموه ثم مات وخلف إبنا يقال له : «يعوق» .
فأتاهم إبليس فقال : قد بلغني موت «يغوث» ، وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر أحد أن يغيّره قالوا : فافعل ، فعمد الخبيث إلى حَجرٍ أبيض فنقره بالحديد حتى صوّر لهم مثال «يغوث» فعظّموه أشدّ ممّا مضى ، وبنوا عليه بيتا من حجر ، وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلاّ في رأس كلّ سنة ، وسمّيت البيعة يومئذ لأنهم تبايعوا وتعاقدوا عليه ، فاشتدّ ذلك على «يعوق» فعمد إلى ريطة وخلق فألقاها في الحائر ، ثم رماها بالنار ليلاً فأصبح القوم وقد إحترق البيت والصنم والحرس وأرفض الصنم ملقى فجزعوا وهمّوا بقتل «يعوق» فقال لهم : إن قتلتم رئيسكم فسدت اُموركم ، فكفّوا فلم يلبث أن مات «يعوق» وخلف إبنا يقال له : «نسر» .
فأتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم فأنا جاعل لكم مثال «يعوق» في شيء لا يبلى فقالوا : إفعل فعمد إلى الذهب وأوقد عليه النار حتّى صار كالماء ، وعمل تمثالاً من الطين على صورة يعوق ثمّ أفرغ الذهب فيه ، ثم نصبه لهم في ديرهم واشتد ذلك على «نسر» ، ولم يقدر على دخول تلك الدير فانحاز عنهم في فرقة قليلة من إخوته يعبدون «نسرا» والآخرون يعبدون الصنم حتى مات «نسر» ، وظهرت نبوّة إدريس فبلغه حال القوم وأنّهم يعبدون جسما على مثال «يعوق» ، وأنّ «نسرا» كان يعبد من دون اللّه ، فسار إليهم بمن معه حتّى نزل مدينة «نسر» وهم فيها فهزمهم وقتل من قتل ، وهرب من هرب فتفرّقوا في البلاد ، وأمر بالصنم فحمل وألقى في البحر ، فاتّخذت كلّ فرقة منهم صنما ، وسمّوها بأسمائها فلم يزالوا بعد ذلك قرنا بعد قرن لا يعرفون إلاّ تلك الأسماء .
ثم ظهرت نبوة نوح عليه السلام فدعاهم إلى عبادة اللّه وحده ، وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام ، فقال بعضهم :
«لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً»(2) .
__________________
1 ـ الآنك بالمدّ وضمّ النون : الاسرب أو أبيضه أو سوده أو خالصه .
2 ـ نوح : 23 .