نقل لي أن الشيخ "محمد حسين قمشة" المذكور كان عازماً لزيارة الأئمة الطاهرين في العراق، فاشترى حماراً سريعاً ووضع عليه أثاثه من لباس وطعام وعدة كتب ومن جملتها كتيب فيه نيل من المخالفين والنواصب، وتحرك مع القافلة، حتَّى إذا وصل إلى جمارك بغداد واتى المفتش ومعه إثنان من الشرطة، فقال لهم المفتش: افتحوا أغراض الشيخ، ووقعت يد المفتش على الكتيب وعندما فتحه وقرأ ما به فغضب وقال للشرطة: خذوه إلى المحكمة الكبرى. وترك المفتش جميع الزوار دون تفتيش وذهب.
آنذاك كان بين الجمارك والمدينة فاصلة كبيرة غير معمورة، فوضعت الشرطة أثاث الشيخ على الحمار وأخرجوه وحماره من الجمارك وتحركوا به، بعد مسافة توقف الحمار وامتنع عن المسير، وتعب أحد الشرطة وجلس ليرتاح، فاقترح الشرطي الثاني أن يتقدم ويتبعه الشيخ ثم يتبعهم الشرطي الأول، وقال له: لا يستطيع الشيخ الفرار منا.
فتقدم الشرطي الثاني وتبعه الأول والشيخ لكنه بعد مسافة عطش وتعب بسبب حرارة الشمس فقال للشيخ سأتقدم لأصل إلى الظل والماء واتبعني أنت.
بقي الشيخ وحيداً تعباً، فركب الحمار، وما أن ركبه حتى تغير حاله وارتفعت أذناه وسار بكامل سرعته وكانه حصان عربي، فمر أمام الشرطي الأول وأراد أن يناديه ليركب معه، لكنه وكأن أحداً ربط على لسانه وفمه فلم يتفوه بشيء، ومر أمامه مسرعاً دون أن يبدي الشرطي أي رد فعل، فعلم الشيخ إن ذلك لطف إلهي لنجاته، ومر من أمام الشرطي الثاني فلم يكلمه وكانه لم يره ولم يبدِ رد فعل، وبعد أن تخلص منهما ترك زمام الحمار ليذهب حيث يشاء (حيث لا يعرف الطريق والقافلة مضت) فدخل به الحمار إلى مدينة بغداد، ومرَّ في أزقتها مسرعاً حتى دخل مدينة الكاظمية، فدخل أزقتها حتى وصل إلى البيت الَّذي نزل فيه أصدقاء الشيخ فطرق الحمار الباب برأسه. والتقى الشيخ بأصدقائه واخبرهم بما جرى ثم خرج من المدينة مسرعاً وشكر الله على نجاته من الشر الَّذي كان محدقاً به.