قال السيد ((الرضوي)) انّ الشيخ ((البيد آبادي)) مر بمدينة شيراز في طريقه إلى الحج وتوقف بها مدة شهرين، إنقسم النَّاس أنذأك إلى قسمين، قسم يؤيد ولاية العلماء (المشروطة) وقسم آخر يؤيد حكم المستبد، وكان ((البيد آبادي)) يرى إصلاح ذات البين والوقوف بوجه الفساد والتفرقة، وسعى لحل الاختلافات حتى ذهب بنفسه إلى منزل العلامة السيد ((محمد باقر الأصطهباناتي)) الَّذي كان مؤيداً لولاية العلماء، وبذل مساعيه لرفع الغائلة هذه دون أن يوفق. بعدها مباشرة خرج من شيراز رغم إصرارنا الشديد عليه بالبقاء لكنه أصر على الرحيل وقال: سريعاً ما تشتعل الفتنة في هذه المدينة ويقتل فيها العديد وتراق الدماء.
تحرك ومعه نفر من الأخيار في خدمته وكان منهم السيد ((عباس الدلال)) والشيخ ((محمد مهدي حسن بور)) وكان الاثنان من أصحاب المسجد الجامع ونقلوا لي أنهم عندما وصلوا إلى هضبة (أرجن) قال لهم ((البيد آبادي)): إشتعلت نار الفتنة في شيراز، وقتل ((الأصطهباناتي)) وآخرون معه، وأهلوكم قلقون وعليكم العودة. قالوا: فعدنا إلى شيراز لترى صدق ما قاله ((البيد آبادي)) وقد تحقق كله.
مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: يا حسن اسبغ الوضوء
فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. يصلون الخمس ويسبغون الوضوء.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا؟
فقال: والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين, لقد خرجت قي أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علىّ سلاحي، وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد «يا حسن إلى أين؟ أرجع فان القاتل والمقتول في النار! فرجعت ذعراً وجلست في بيتي فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فحنطت وصببت علىّ سلاحي وخرجت إلى القتال حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة، فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين؟ مرة بعد أخرى، فأن القاتل والمقتول في النار !
قال علي عليه السلام : صدقك أفتدري من ذلك المناديل؟
قال: لا.
قال عليه السلام : ذلك أخوك إبليس وصدقك أنّ القاتل والمقتول منهم في النار.
فقال الحسن البصري: الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى
روى أصحاب السير: كان رسول الله صلى الله عليه وأله إذا رأى فاطمة عليها السلام فرح بها فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه وتقول: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ ).
فسلم عليها وأخبرها بخبر النبي صلى الله عليه وأله وبكائه: فنهضت والتفت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكانا يسعف النخل. فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة وبكى وقال: وأحزناه إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد صلي الله عليه وأله عليها شملة خلقه قد خيطت في اثني عشر مكانة, فلما دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وأله قالت: يا رسول الله إن سلمان تعجب من لباسي فوالدي بعثك بالحق مالي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه وان مرفقتنا لمن آدم حشوها ليف: فقال النبي صلى الله عليه وأله: يا سلمان ان ابنتي لفي الخيل السوابق.
العبد الصالح والمتقي ((الحاج محمد هاشم سلامي)) ابتلي بتقرح في فمه وكان يخرج من قرحه دم وجراحة وأصابه عناء شديد من ذلك، وكان قد راجع ((الدكتور ياوري)) عدة مرات إلى أن قال له الدكتور: لا بد من معالجتك بواسطة الكهرباء ولا يوجد هذا الجهاز في شيراز فعليك بالذهاب الى المستشفى الروسي في طهران.
قال لي الحاج سلامي: أخشى أن أذهب إلى طهران وأحرم من صيام شهر رمضان المبارك وفيضه وإذا لم أذهب أخشى أن يزداد النزف وأُبتلى ببلع الدم الحرام.
وفي النهاية قرر عدم الذهاب إلى طهران.
وفي صباح أحد الأيام حضر الدكتور ياوري إلى المنزل حاملاً معه كتاباً طبياً، وقال الليلة الماضية رأيت في منامي شخصاً يقول لي: لماذا لم تعالج محمد هاشم؟
فقلت: يجب أن يذهب إلى طهران للمعالجة.
فقال: لا داعي لذلك فإن شرح داء ودواء محمد هاشم موجود في الصفحة الفلانية من الكتاب الفلاني.
استيقظت من نومي واخذت الكتاب وفتحته على الصفحة التي ذكر، وباختصار استعمل ذلك الدواء وشفاه الله، ووفق للصيام مع أول يوم من شهر رمضان المبارك.
***
الحاج محمد هاشم المذكور كان من اصحاب المسجد الجامع وكان بحق رجل صلاح وموضع ثقة الجميع، وقد ظهرت منه عجائب من جملتها ما وقع له في المرض الذي توفي على أثره وهي قصة جديرة بالقراءة:
كان وقد بقي صابراً وشاكراً على مرضه حتى اشرف عليه الموت وكان يستقبل زائريه بمظهر مريح مع انه كان يتلوى من شدة المرض، وكان يمتنع عن تناول الدواء السائل الذي يدخل في تركيبه الكحول، وكان يقول إن الحرام لا يشفي، وباختصار فإنه في مرضه ذاك رأى في منامه الآية الشريفة ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبّون﴾[1] منقوشة أمام عينيه، وادرك في الحال ان المقصود منها أنّ عليك إعطاء روحك (حيث ان كل انسان يحب نفسه اكثر من أي شيء آخر) ويسمع صوتاً يقول له: إن أصدقاءك سألوا الله أن يشفيك، لكن موتك الحتمي قد حلّ. فقال: أريد ان اعوض عما فات مني، فسمع الجواب: دع ذلك لنا.
وبعد هذه الرؤيا أصبح يتناول الدواء مكرهاً وينتظر الموت ويكثر من قراءة سورة يس ودعاء عديلة.
المرحوم ((الحاج محمد هاشم)) كان بحق نادر الوجود في تقواه حتى أنه حين كان في مرض موته أتاه يوماً احد زواره عائداً له، فشرع الزائر باستغابة أحد الأشخاص، فمنعه الحاج من الاسترسال في الغيبة ثم حمل عمل المغتاب على الصحة، لكن المستغيب أصر على رأيه فكرر الحاج نصيحته له مرة ثانية ودافع عن المغتاب ( حسب واجبه الشرعي الذي ذكرناه مفصلاً في كتاب الكبائر) ولما أصر ذلك الشخص على الغيبة همَّ الحاج بترك مكان علاجه والخروج من الغرفة، فالتفت زائره للأمر وغيّر مجرى حديثه.
وفي الليلة الأخيرة من عمره التي صادفت ليلة الجمعة ألهم أن أمره سيتم حتى الصباح، فقال في أول الليل: هذه الليلة لن احتقن بالابرة ولن ألوث جسدي بالكحول ولن اتناول الدواء، فإذا بقيت حياً حتى الغد إعود للاستمرار في العلاج.
وطلب أن يوضع سريره على القبلة وطلب من جميع أهل بيته أن يخلدوا للراحة وطلب من صهره ((محمد هجبري)) النوم في نفس الغرفة وطلب منه أن يجلس بجانبه ويقرأ سورة يس وشرع هو بالقراءة معه، في هذه الاثناء يغيب الحاج عن الوعي ويتوقف صهره عن القراءة، حتى إذا عاد إلى وعيه نسي صهره إلى اين وصل، لكن الحاج شرع باكمال السورة قرأ دعاء العديلة عن ظهر الغيب وعند منتصف الليل قال له: نم أنت فسأستريح بدوري.
يقول صهره: نهضت من نومي فجأة فوجدته يتمتم ويقول: ها هو باب مقام سيد الشهداء مفتوح، وزوار قبره مشغولون بأداء صلاة الليل والاستغفار، وظل يتمتم وينوح ويبكي وفجأة وقبل أن نسمع صوت الأذان قال حل الصبح، فنظرت إلى ساعتي فوجدت أن الوقت يطابق طلوع الفجر.
في هذا الوقت ساء حاله وبدأ بالنزع وانهى لحظاته الأخيرة من حياته الفانية بقراءة القرآن وندائه للحسين (ع) ثلاث مرات.
هناك رواية انه النبي صلى الله عليه وأله وسلم قال: فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدم يا محمد أن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان, فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جلّ جلاله فزج بي في النور زجه حتى انتهيت الى حيث ما شاء الله من علو ملكه.
وهنا عندما بلغ الله تعالى بحبيبه هذه المرتبة جعل يريه أياته الكبرى, وتحقق قوله سبحانه : (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) .
فكان مما رأه صلى الله عليه وأله من الأيات الكبرى مكانه حفيده الأمام الحسين عليه السلام وعظمته في السماوات.
عن الأمام الحسين عليه السلام قال : أتيت جدي رسول الله صلى الله عليه وأله فرأيت اٌُبي بن كعب جالسا عنده, فقال جدي صلى الله عليه وأله: مرحبا بك يا زين السماوات والأرض فقال اٌُبي: يا رسول الله وهل احد سواك زين السماوات والأرض؟ قال النبي صلى الله عليه وأله: يا اٌُبي ابن كعب والذي بعثني بالحق نبيا أن الحسين ابن علي في السماوات اعظم مما هو في الأرض واسمه مكتوب على يمين العرش : أن الحسين مصباح الهدى وسفينه النحاة.
ذهب جمع من سادات مدينة ((نجف آباد)) إلى مجلس الشيخ ((البيد آبادي)) وطلبوا منه أن يدعو لهم ليفرج الله عنهم العناء الذي أصابهم بعد أن جفت العين التي كانت تنبع من الجبل، والتي كانت تؤمن حاجة أهالي البلدة من الماء، فكتب الشيخ على رقعة الآية الشريفة من أواخر سورة الحشر ﴿لو انزلنا هذا القرآن على جبل...﴾[1] وطلب منهم أن يضعوها أول الليل على قمة ذلك الجبل ويتركوها هناك ويعودوا أدراجهم، فعلوا ما قال لهم، ولما وصلوا إلى منازلهم دوى صوت مهيب من ذلك الجبل سمعه جميع أهالي البلدة، ولما استيقظوا في صباح اليوم التالي رأوا عين الماء وقد جرت من جديد فشكروا الله سبحانه وتعالى.
*** تنبيه:
1ـ لا تعجب عزيزي القارىء من القصص التي ذكرناها عن الشيخ البيد آبادي وما شابه ولا تنكرها لا ـ سمح الله ـ فإن مثل هذه الاُمور بل وحتى أفضل منها إنما تدل على مراتب العلم والقدرة والبركة لدى أصحاب أهل بيت النبي (ص) أمثال سلمان الفارسي وميثم التمار ورشيد الهجري وجابر الجعفي، وكذلك رواة الأخبار والعلماء الأخيار أمثال السيد بحر العلوم والسيد باقر القزويني والملا مهدي النجفي الذين نقلت عنهم القصص والروايات الكثيرة الغير قابلة للإنكار (من أحب الإطلاع عليها يمكنه مراجعة كتاب رجال المامقاني الذي تطرق بالتفصيل إلى حالات اصحاب أهل بيت الرسول عليهم السلام ورواة الأخبار، أو مراجعة كتاب قصص العلماء الذي تضمن كرامات بعض العلماء).
2ـ إن صدور مثل هذه الكرامات من علماء دين كبار يدلنا على عظمة وشموخ أهل بيت النبي الأكرم (ص) وعلوهم عن هذا المستوى وان مقامهم اكبر من أن يطلع عليه أحد، حيث أن الأشخاص الذين اتبعوا آثارهم واسماءهم استطاعوا الوصول إلى هذه المنزلة من العلم والمعرفة واجابة الدعاء، فكيف بالإحاطة العلمية وبقدرة أهل بيت خاتم الأنبياء (ص)، فإنه من المسلّم به أن أي صاحب منزلة لم ينل منزلته الروحية إلى من فتات احسان آل بيت الرسول (ص) الذين هم قطب عالم الوجود وقلب عالم الإمكان ومصدر جميع الأمور، ومن التصديق بعجزنا عن إدراك مقام النبي وآله عليهم السلام يحصل لدينا اليقين بالعجز عن إدراك الإحاطة العلمية لرب الأرباب والقدرة اللامتناهية لمجيب الدعوات جل جلاله الذي خلق النبي (ص) وآله الكرام وأعطاهم منزلة الولاية.
وباختصار فإن الإطلاع على هذه القصص باعث على زيادة المعرفة والبصيرة بمنزلة النبي وآله عليهم السلام وعظمة رب الأنام.
3ـ هذه القصص ونظائرها تبعث على التصديق واليقين بصدق أوامر الله سبحانه ووعوده وكذا رسوله وآله عليهم السلام حول أهل التقوى وأن النفوس المستعدة كلما واظبت بشدة على تأدية التكاليف الشرعية وكانت جادة في الإتيان بجميع الواجبات وترك جميع المحرمات فإنها ستصل إلى مراتب ودرجات فوق إدراك العقول البشرية الجزئية، حتى تصبح الملائكة خدماً لهم، ويمنّ الله عليهم بإجابتهم في كل ما يسألون.
وغير هذه من الآثار المنقولة في كتب الروايات خاصة في باب كتاب الإيمان والكفر من أصول الكافي، وبما ان ذكر جميع هذه الأثار يتنافي مع قدرة هذا الكتاب لذا ومن أجل زيادة الإطلاع لدى القاريء العزيز فسأذكر هنا حديثاً واحداً رواه العامة والخاصة عن رسول الله (ص):
قال رسول الله (ص) قال الله تعالى عز وجل (( من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرب اليّ عبد بشئ أحبّ اليّ مما افترضت عليه وانه ليتقرب إليّ بالنافلة حتى احبه، فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته)).
وقد أورد العلماء عدة آراء في شرح هذا الحديث المبارك نقلها العلامة المجلسي في كتاب مرآة العقول، والخلاصة المستفادة من الحديث هي أن الشخص يمكنه من خلال الإلتزام بالواجبات والمواظبة على المستحبات أن يصبح محبوباً ومقرباً من حضرة الخالق، وعندما يصبح كذلك يصبح نظره بعين الله ويرى من خلف آلاف العوائق ما لا يراه الآخرون ويسمع ما لا يسمعون وتتضح له الأمور المعنوية والصور الملكوتية والأنغام الغيبية الخافية عن الآخرين.
وباختصار: إعلم أيها القارىء العزيز ان نسبة ما تقرأه أو تسمعه في هذه القصص ونظائرها إلى ما وعد الله به عباده المقربين والمحسنين كنسبة القطرة إلى البحر كما جاء في مضمون هذا الحديث القدسي:
((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)).
كان هناك عالمان جليلان رهن أحدهما عمره في خدمة مجالس عزاء سيد الشهداء لم يتوان عن بذل أي خدمة بماله أو بلسانه في هذا السبيل أما الآخر فلم يكن يعر أهمية تذكر لهذه القضية والآن وبعد مضي سنوات علي وفاتهما، كان من الثواب الذي ناله الأول هو أن الله قد وفق أبناءه وأحفاده فجعل منهم المؤلف والعالم والمدرس والمرجع الديني، منتشرين قي أصقاع الأرض يحيون ذكرى أبيهم في حين لم يبق من الثاني أي أثر يخلده، وهذا بالتأكيد نتيجة لتعظيم الأول مسألة التقاني والإخلاص لسيد الشهداء عليه السلام وعدم اكتراث الثاني لهذه المسالة.
ومن هنا يتبين بأن أي خدمة تقم لمواكب العزاء الحسينية لن تذهب سدى أبداً.